غذاء ومناخ
تناول تقرير حديث ظاهرة التضخم المناخي المتنامية في المملكة المتحدة، وتوقع زيادة فاتورة الغذاء للمنازل البريطانية بما يقارب 1250 جنيهًا إسترلينيًا (1660 دولارًا أميركيًا) سنويًا بحلول 2050، بسبب الصدمات المناخية.
ويرجع ذلك إلى تأثير تلك الصدمات المناخية السلبي في أسعار المواد الغذائية، حيث يتوقع التقرير أن تزيد بنحو الثلث في منتصف القرن الحالي (2050).
وقال التقرير إنه في ظل سيناريو الانبعاثات العالية، قد ترتفع أسعار الغذاء بنسبة 34% في المملكة المتحدة؛ بسبب موجات الحر والجفاف على الصعيدين الدولي والمحلي، وفقًا للتقرير الذي اطلعت عليه منصة “غذاء ومناخ“.
ووفقًا لتقديرات التقرير الجديد الصادر عن معهد “أوتونومي”، تحت عنوان: “في الأفق: التضخم المناخي وأسعار المواد الغذائية”، فإنه وفي ظل سيناريو الانبعاثات العالية، قد تشهد فاتورة الغذاء للمنازل البريطانية إضافة نحو 1247 جنيهًا إسترلينيًا إلى فاتورة الغذاء السنوية نتيجة لتغير المناخ.
وسينتج هذا “التضخم المناخي” عن تأثير موجات الحر والجفاف المتزايدة في سلاسل التوريد العالمية، إضافة إلى الظواهر الجوية المتطرفة الأخرى والآثار المناخية في الموارد الزراعية الرئيسة مثل الأسمدة.
فاتورة الغذاء للمنازل البريطانية تتأثر بالاستيراد
تستورد المملكة المتحدة ما يقارب من نصف غذائها، لذلك تعتمد بنسبة كبيرة على سلاسل التوريد الأوروبية والعالمية، وتتأثر فاتورة الغذاء للمنازل البريطانية بذلك.
وقد تُعرّض الظروف الجوية الزراعة البريطانية للخطر، حيث ستتأثر محاصيل مثل القمح والشعير بشكل متزايد بالجفاف والفيضانات، وفق التقرير الحديث عن التضخم المناخي من معهد أتونومي في المملكة المتحدة.
وستكون مناطق شرق وشمال غرب وجنوب غرب إنجلترا الأكثر تأثرًا بموجات الحر، حيث يُمثل الأطفال والبالغون في سن العمل الفئات السكانية الأكثر عرضة للخطر.
وتظهر هذه الآثار حاليًا في المملكة المتحدة بالفعل بهذه الآثار. فقد كانت الأشهر الثمانية عشر من أكتوبر 2022 الأكثر رطوبةً على الإطلاق، وقبل ذلك، في صيف 2022، سجلت إنجلترا أول موجة حرارة لها تجاوزت 40 درجة مئوية.

وشهدت أول 7 أشهر من 2024، سقوط أمطار متواصلة تسببت- وفق خبراء- في إضعاف الأداء الاقتصادي وهبطت بالإنفاق الاستهلاكي، بسبب ارتفاع تكلفة فاتورة الغذاء للمنازل البريطانية.
وأشارت صحيفة “الغارديان” في تقرير منشور في يوليو/تموز الماضي، إلى أن المملكة المتحدة عانت منذ أكثر 18 شهرًا رطوبة، هي الأعلى منذ بدء تسجيل بيانات الطقس، ما ترك التربة مشبعة بالمياه وبعض المزارع تحت الماء بالكامل.
وكان التأثير على المحاصيل كارثيا. وتظهر البيانات الصادرة عن وزارة البيئة والغذاء والشؤون الريفية أن إنتاجية الخضروات انخفضت على أساس سنوي بنسبة 4.9% إلى 2.2 مليون طن في عام 2023، وتراجع إنتاج الفاكهة بنسبة 12% إلى 585 ألف طن.
وأدى الطقس الرطب في الخريف والشتاء إلى انخفاض المساحة المزروعة بالبروكلي بنسبة 3.1% إلى 23000 هكتار، ما أدى إلى هبوط بنسبة 0.4% في محصول البروكلي، و9.2% في أحجام القرنبيط على أساس سنوي. وكان أداء البصل مماثلاً، حيث نزلت الكميات بنسبة 13% وانخفاض مساحة الإنتاج بنسبة 3.6%. وكذلك فعل الجزر، الذي تراجعت إيرادات محاصيله بنسبة 7.2%.
انخفاض أرباح 65% من المزارعين
أظهر استطلاع رأي أجراه الاتحاد الوطني للمزارعين في المملكة المتحدة (إن إف يو) عام 2024 أن 8 من كل 10 مزارعين عانوا من آثار “سلبية إلى حد ما” أو “سلبية للغاية” على أراضيهم وبنيتهم التحتية جراء الأحوال الجوية المتطرفة في ذلك العام. وأكد 65% من المشاركين انخفاضًا في الأرباح على أساس سنوي.
وأشار المعهد إلى أن التضخم المناخي سيؤثر بشكل غير متناسب في الأسر ذات الدخل المنخفض، التي تنفق نسبة أكبر من إجمالي ميزانيتها على سلع أساسية مثل الخبز والأرز.
وقدم المعهد –مُعد التقرير- عددًا من التوصيات السياسية لحكومة المملكة المتحدة في ضوء هذه النتائج.
ينصّ هذا القرار، أولًا، على ضرورة توفير الحكومة للضروريات الأساسية لجميع الأسر في المملكة المتحدة مجانًا، بما في ذلك مواد غذائية تُلبّي نسبةً من الاحتياجات الحرارية والغذائية لكل شخص في المملكة المتحدة.
كما يقترح القرار أن تُنشئ المملكة المتحدة نظاماً للمخزون الاحتياطي لتثبيت أسعار المواد الغذائية وتجنب اضطرابات سلسلة التوريد؛ ووضع حدود قصوى مؤقتة لأسعار السلع الغذائية الأساسية خلال فترات التضخم لتجنب عبء المستهلكين؛ وإنشاء استثمارات طويلة الأجل في الزراعة المتجددة والزراعة لتعزيز مرونة إمدادات الغذاء المحلية في المملكة المتحدة.
وكُلّفت حكومة المملكة المتحدة بموجب قرار قضائي بنشر خطط جديدة لخفض الانبعاثات بحلول أكتوبر/تشرين الأول 2025. كما سيتعين عليها وضع خطة وطنية مُحدّثة للتكيف مع المناخ قبل عام 2028، تغطي المدة من 2029 إلى 2034.
يأتي هذا التحذير بعد مدة وجيزة من كشف حكومة المملكة المتحدة عن استراتيجيتها الوطنية الجديدة للغذاء، والتي تُحدّد إصلاحاتٍ لنظام الغذاء في البلاد وتُحدّد أولوياتٍ لتقليل مخاطر تغيّر المناخ على قطاع الأغذية.
تهدف الاستراتيجية إلى تهيئة بيئة غذائية تدعم خيارات صحية وأكثر استدامة، وتُحسّن الوصول إلى غذاء آمن وبأسعار معقولة وجذاب للجميع.
كما تُحدد الاستراتيجية شروط دعم النمو في قطاع الأغذية، بما في ذلك الاستثمار في الابتكار، وتحسين الإنتاجية، وسلاسل توريد أكثر شفافية. ويُعدّ تطوير قوى عاملة ماهرة في جميع المناطق هدفًا أساسيًا آخر.

فيما يتعلق بالإنتاج والتجارة، تُركز الاستراتيجية على الحد من الأثر البيئي، والحفاظ على معايير رعاية الحيوان، والحد من هدر الغذاء، ودعم نمو الصادرات مع حماية معايير المملكة المتحدة. كما تسعى إلى تعزيز إنتاج الأغذية المحلي وتحسين الاستعداد لصدمات سلسلة التوريد والمخاطر طويلة الأجل.
تُقرّ الحكومة بأن تحقيق هذه النتائج سيستغرق وقتًا، ويعتمد على جهود الحكومة والقطاع العام وقطاع الصناعة والمجتمع المدني والأفراد. ستحتاج الشركات إلى وقت للتكيف مع معايير المنتجات الجديدة وممارسات التسويق. ويؤكد الوزراء أن الحكومة ستُقدّم توجيهًا واضحًا يُمكّن من تخطيط التغيير وتنفيذه على مراحل.
الاستراتيجية ليست أداةً سياسيةً مُلزمةً، بل هي وثيقة رؤية. وسيتطلب الأمر تعديلاتٍ على التشريعات الحالية و/أو تشريعاتٍ جديدةٍ لتحقيق وعودها بالكامل، وفق “إيدي“.


