غذاء ومناخ
تقود أنجيلا نيفيس بيريرا، أو “بيلا” كما تُدعى، وهي حافظة روحية للمعارف المتوارثة، فريق استعادة الغابات البرازيلية، إذ يُشكل فريق العمل، المكون من 12 فردًا، سلسلة بشرية لنقل الشتلات الناضجة إلى شاحنة كومبي بيضاء قديمة، والتي تنقلها بعد ذلك إلى مواقع مختارة لاستعادة الغابات، لأن حمايتها واجب مُقدس.
ومع بزوغ الفجر فوق جبال أوروروبا في ولاية بيرنامبوكو في البرازيل، تجتمع مجموعة من شباب شعب شوكورو دو أوروروبا الأصلي، على أطراف مشتل للاعتناء بشتلات النباتات والأشجار المحلية؛ لا سيما الأنواع المستخدمة للأغراض العلاجية التي اندثرت يومًا ثم أُعيد إحياؤها من جديد.
وغرست بيلا حتى الآن نحو 20 شتلة، معظمها من الأنواع المحلية، التي تُجسّد رؤية تتجاوز بكثير إصلاح الأرض وإعادة تشجيرها، لتمثّل عملًا يهدف إلى استعادة نظريتهم لنشأة الكون وهويتهم وثقافتهم وتوازنهم.
وقالت بيلا: “نواجه تحديات كثيرة، لكننا نعالجها بهدوء وصبر وحكمة. فنحن نحوّل التحديات إلى قوة وقدرة على الصمود لمواصلة عملنا في المقاومة، وإعادة التشجير، والعيش، والتغيير، وإصلاح الأراضي المتدهورة، التي نراها، فهي أراضٍ مريضة تحتاج إلى رعاية”، وفق تقرير تلقت منصة “غذاء ومناخ” نسخة منه.
إصلاح الغابات البرازيلية يبدأ في 2023
منذ عام 2023، تعمل وحدة الشعوب الأصلية التابعة لمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) وشعب شوكورو، ممثلًا بجمعية جوباغو كريكا على إصلاح الغابات البرازيلية في أوروروبا ضمن إطار البرنامج العالمي للإصلاح المتمحور حول الحياة بجميع أشكالها للشعوب الأصلية، وهو برنامج شاركت في تصميمه وحدة الشعوب الأصلية التابعة للمنظمة ومنظمات الشعوب الأصلية، بدأ في عام 2019 في الهند وتايلند والإكوادور وبيرو، ثم امتد بعد ذلك إلى كوستاريكا وبوليفيا ونيبال، وأيضًا البرازيل التي استضافت مؤتمر المناخ كوب 30، واختتم أعماله السبت الماضي 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2025.
ويكمن في صلب هذه المبادرة الإصلاح المتمحور حول الحياة بجميع أشكالها للشعوب الأصلية، وهو أسلوب يعطي الأولوية لرفاه جميع الكائنات الحية داخل نظام إيكولوجي ويضع الشعوب الأصلية في صميم استعادة الذاكرة المفقودة لأراضيها.
وتقوم هذه الشعوب الأصلية بذلك من خلال نظمها الغذائية والمعرفية ومعتقداتها الروحية وممارساتها في إدارة أراضيها ونظرتها لنشأة الكون. وهذا الأسلوب مشترك بين الأجيال، ويشرك كبار السن والشباب وممارسي التداوي التقليدي والعاملين في مجال إعادة التشجير، ويعترف بالمرأة كحامية للتنوع البيولوجي وحافظة للمعرفة.
وانضمت حكومة البرازيل وبرنامج تسريع الرصد المبتكر من أجل الغابات( أيم4فورستس) التابع للمنظمة إلى الجهود العالمية للإصلاح المتمحور حول الحياة بجميع أشكالها للشعوب الأصلية من أجل تعزيز النتائج الناجحة.
ويشمل برنامج تسريع الرصد المبتكر من أجل الغابات تمويلًا بقيمة 9 ملايين دولار من المملكة المتحدة لمبادرة تسمى تسريع الرصد المبتكر لإصلاح الطبيعة(أيم4ناتشر)، وتعمل هذه المبادرة لتحسين الطريقة التي ترصد بها البلدان والجهات الفاعلة التقدم المحرز في إصلاح النظم الإيكولوجية وتقديم تقارير عن ذلك، لإصلاح ما لا يقل عن 30% من النظم الإيكولوجية المتدهورة بحلول عام 2030.
تدهور الأراضي
حصل أفراد شعب شوكورو في الغابات البرازيلية – نحو 12 ألف شخص- بعد عقود من النضال لاستعادة أراضي أجدادهم التي فقدوها خلال الاستيطان الأوروبي، على اعتراف قانوني لاستعادة ملكية هذه الأراضي وإدارتها في عام 2001، ولكن معظم هذه الأراضي كان قد تدهور خلال تلك المدة، إذ تعرّض لإزالة الغابات، والتعرية، وفقدان التنوع البيولوجي.
ويجسّد ماركوس، قائد شعب شوكورو، هذه الرسالة المقدّسة، فبالنسبة إليه، تعد الأرض والروح والهوية عناصر لا يمكن فصلها عن بعض، إذ قال خلال وقوفه في “إسباكو ماندارو”، وهو مكان التجمّع الروحي لشعب شوكورو، “نؤمن بأن رعاية هذه الأرض، التي نعيش عليها اليوم، وسنعود إليها كأرواح الأسلاف، هي جزءٌ من رحلة التحوّل إلى كائن روحي”.
وتعطي، دونا سوكورو، البالغة من العمر 70 عامًا، دروسًا في “مدارس الحياة” الخاصة بشعب شوكورو، حيث يتعلّم الأطفال والشباب الخصائص العلاجية للنباتات، وقدسية الغابات، والترابط بين جميع الكائنات الحية. وبالاشتراك مع بيلا وآخرين، تساعد سوكورو في استدامة المعرفة الروحية والعلاجية التي غالبًا ما لا تُدوَّن في الكتب، وبالنسبة إليها، فإن الطب النباتي وإصلاح الأرض أمران لا ينفصلان؛ إذ أن شفاء الأرض هو أيضًا شفاء للناس.
وتقع أراضي شعب شوكورو في منطقة “كاتينغا” الأحيائية في البرازيل– وهي إحدى المناطق الحرجة المعترف بها بموجب اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر – وهي معرضة بشكل خاص لفقدان الأنواع بسبب الاستخدام غير المستدام للأراضي، لا سيما تربية الماشية، وآثار تغيّر المناخ.
وقد التزمت البرازيل بإصلاح 12 مليون هكتار من النباتات الأصلية بحلول عام 2030، وتتمثل إحدى الركائز الأساسية لهذه المبادرة في العمل مع الشعوب الأصلية لإصلاح أراضيها، وشعب شوكورو هو أول شعب أصلي من الشعوب الأصلية يشارك رسميًا في البرنامج العالمي للإصلاح المتمحور حول الحياة بجميع أشكالها للشعوب الأصلية الذي بات يحظى الآن بدعم مبادرة تسريع الرصد المبتكر لإصلاح الطبيعة، ويُعدّ هذا التعاون الاستراتيجي نموذجًا يحتذى به للشعوب الأصلية الأخرى مع توسيع نطاق كلا البرنامجين.
وعندما تلتقي قيادة الشعوب الأصلية والإرث الثقافي والدعم العلمي، لا يمكن أن تكون عملية الإصلاح بيئية فحسب، بل روحية وكونية وتعليمية واجتماعية أيضًا، ممّا يضمن استدامة عملية الإصلاح والاعتراف بالطبيعة بنفس روح الاحترام والكرامة التي تحظى بها البشرية، وفق تقرير “الفاو”. وبالنسبة إلى شعب شوكورو، فإن حماية الغابات البرازيلية واجب مقدّس، فعندما تكون الغابة بصحة جيّدة، تُزقزق الطيور، وتنمو النباتات العلاجية، وتخضّر الأرض، وهذا لا يعود بالنفع على شعب شوكورو وحده، بل على كل البرازيل، وعلى كوكب الأرض في نهاية المطاف.
