
غذاء ومناخ
وصلت أزمة ارتفاع أسعار الزبدة في نيوزيلندا إلى البرلمان، حيث واجه رئيس جمعية (فونتيرا) استجوابًا حول زيادة أسعار منتجات الألبان عامةً، والزبدة خاصةً، أمس الثلاثاء 22 يوليو/تموز 2025.
فونتيرا هي جمعية تعاونية مقرها نيوزيلندا، يملكها 10 آلاف مزارع، ومنذ أكثر من قرن، وهي تعمل على جمع واستخدام وفرة الحليب، واليوم تشاركها مع أكثر من 140 دولة حول العالم.
عقد الرئيس التنفيذي لجمعية فونتيرا، مايلز هوريل، عدة اجتماعات مع مختلف الأحزاب السياسية؛ بما في ذلك الحزب الوطني، وحزب العمال، وفقًا لتقرير اطلعت عليه منصة “غذاء ومناخ“.
وتضمنت هذه الاجتماعات لقاءً مع وزيرة المالية نيكولا ويليس، التي كانت حريصة على الاستفسار من هوريل حول تكلفة الزبدة على المستهلكين.
ارتفعت أسعار الزبدة بأكثر من 60% خلال العام الماضي، حيث تتراوح حاليًا بين 8 و11 دولارًا لقطعة زنة 500 غرام، بينما ارتفع السعر بنسبة 120%، مقارنة بما كان عليه قبل 10 سنوات، وأسهمت الزيادات في أسعار منتجات الألبان بشكل عام في رفع أسعار المواد الغذائية في يونيو/حزيران الماضي، وفقًا لهيئة الإحصاء النيوزيلندية.
أسعار الزبدة تثير استياء المستهلكين
أثارت قضية أسعار الزبدة استياءً بين عامة الناس الذين شعروا بالفزع من تكلفة الزبدة في المتاجر المحلية.
وقال رجل في أوكلاند: “كل شيء يرتفع، أنظر إلى أسعار الزبدة في كل مكان”.
وقالت امرأة أخرى: “يا إلهي، الزبدة، لقد تضاعف سعرها”.
وتساءل مستهلك آخر عن سبب هذه الزيادة: “الزبدة، كل الأساسيات، لماذا يجب أن تكلف كل هذا المبلغ في نيوزيلندا؟”
كما أثارت هذه القضية تفاعلًا حادًا في قاعة المناقشات بالبرلمان بين زعيمي الحزبين الرئيسين: العمال والوطني. ووجه زعيم المعارضة كريس هيبكينز تساؤل لرئيس الوزراء كريستوفر لوكسون، قائلّا: “كم قطعة زبدة يستطيع شراءها مقابل 60 دولارًا أسبوعيًا يزعم إنفاقها على البقالة؟”، وفقًا لـ “نيوز.1“.
وأصبحت الزبدة رمزًا لمشكلة أوسع نطاقًا: بلدٌ قائمٌ على صادرات الألبان يجد منتجاته الخاصة باهظة الثمن بشكل متزايد، وفقًا لـ “ذا برس“.
والأسباب ليست بسيطة. فتسعير الزبدة يعكس مزيجًا معقدًا من ديناميكيات السوق وإعدادات السياسات، وليس تصرفات أي طرف. المسؤولية مشتركة، والمشكلة ليست سهلة الحل.
يتمثل جوهر المسألة في هيكلة قطاع الألبان في نيوزيلندا، ولماذا يعني ذلك أن المستهلكين المحليين غالبًا ما يكونون تحت رحمة الأسواق العالمية.

وتنتج نيوزيلندا منتجات ألبان أكثر بكثير مما تستهلك، لكنها تصّدر نحو 95% من الحليب ومنتجات الألبان في البلاد، بما في ذلك الزبدة. هذه الهيمنة التصديرية تُحدد كيفية تحديد الأسعار المحلية.
ويوضح الخبير الاقتصادي شموبيل عقاب: “إن السبب وراء إنتاجنا كميات كبيرة من الحليب في نيوزيلندا هو تصديره. ولأنها سوقنا الرئيسة.. فإن نظام الأسعار هو السائد”.
ويقول: “نحن بارعون للغاية في إنتاج الحليب، مما يعني أننا بنينا صناعة قائمة على التصدير”.
ويُسمى هذا النموذج تسعير تكافؤ الصادرات. ويعني ذلك أن السعر الذي يدفعه النيوزيلنديون مقابل الزبدة يعكس ما يمكن أن يكسبوه في الخارج، وليس تكلفة الإنتاج المحلية.
وعندما ترتفع الأسعار العالمية، تتبعها الأسعار المحلية عادةً.
هبوط قصير
انتعشت أسعار الزبدة بعد استقرار مدة قصيرة، ما دفع مؤشر الغذاء العالمي إلى الارتفاع في أبريل/نيسان 2025، مع ارتفاع أسعار بعض السلع.
وأفادت منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) هذا الشهر أن المؤشر المرجعي لأسعار السلع الغذائية العالمية ارتفع بقيادة أسعار الحبوب الرئيسة واللحوم ومنتجات الألبان.
تعّرض إنتاج الزبدة لأزمات عديدة منذ الربع الأخير من عام 2023، مما تسبب في ارتفاع الأسعار إلى مستويات تاريخية. وظلت مستقرة عند مستوى مرتفع لمدة 14 شهرًا حتى ديسمبر/كانون الأول 2024، عندما انخفضت لأول مرة.
في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي، ارتفعت أسعار الزبدة بنسبة 19% في المتوسط من أكتوبر/تشرين الأول 2023 إلى الشهر نفسه من 2024، بما في ذلك 49% في سلوفاكيا، و40% في ألمانيا وجمهورية التشيك، وفقًا للأرقام التي قدمتها الذراع التنفيذية للاتحاد الأوروبي لوكالة أسوشيتد برس.
تُعزى هذه الزيادة إلى نقص عالمي في الحليب نتيجة انخفاض الإنتاج، بما في ذلك في الولايات المتحدة ونيوزيلندا، إحدى أكبر مُصدّري الزبدة في العالم، وفقًا للخبير الاقتصادي ماريوس دزيولسكي، محلل أسواق الأغذية والزراعة في بنك PKO البولندي في وارسو.
تقول (الفاو) إن سبب ارتفاع أسعار الزبدة في أبريل/نيسان الماضي هو انخفاض المخزونات في أوروبا، ولكن هناك العديد من الأسباب وراء ارتفاع أسعار الزبدة على مدى عامين تقريبًا.
تعتقد أغنيسكا ماليشفسكا، مديرة غرفة الحليب البولندية، أن القضايا المحلية والخاصة بالاتحاد الأوروبي والعالمية تُفسر تضخم أسعار الزبدة. وتجادل بأن السبب الرئيسي هو نقص دهن الحليب بسبب إغلاق مُزارعي الألبان لمشروعاتهم في جميع أنحاء أوروبا بسبب ضعف أسواق الربح والعمل الجاد.

كما تُشير هي وآخرون إلى ارتفاع تكاليف الطاقة الناجمة عن حرب روسيا في أوكرانيا كعامل مؤثر على إنتاج الحليب.
مع ذلك، تعتقد الخبيرة الاقتصادية دزيولسكي أن الجفاف قد يكون عاملًا في انخفاض الإنتاج. وأضاف أن انخفاض أسعار الحليب العام الماضي ثبط الاستثمارات ودفع منتجي الألبان في الاتحاد الأوروبي إلى إنتاج المزيد من الجبن، مما وفّر ربحية أفضل.
وربما لعب تفشي مرض اللسان الأزرق، وهو مرض فيروسي تنتقل عن طريق الحشرات، غير ضار بالبشر ولكنه قد يكون قاتلاً للأغنام والأبقار والماعز، دورًا أيضًا.