
عذاء ومناخ
وجدت دراسة حديثة أن الاعتماد على مصادر غذاء متنوعة في أفريقيا، مثل الزراعة ورعي الماشية وصيد الأسماك، حمى سكان القارة من أزمات المناخ لعدد كبير من القرون.
أجرت الدراسة باحثتان في جامعة كولومبيا الأميركية، هما ليان ن. فيلبس، باحثة مشاركة، وكريستينا جيلد دوغلاس، أستاذة مشاركة في المناخ بكلية المناخ بجامعة كولومبيا، وفقًا لتقرير استعرضته منصة “غذاء ومناخ“.
وأشارت الدراسة إلى أنه قبل 14700 – 5500 عام، شهدت أجزاء كبيرة من أفريقيا ظروفًا أكثر رطوبة، وهي حقبة زمنية تُعرف باسم الفترة الأفريقية الرطبة. ومع تراجع الظروف الرطبة قبل نحو 5500 عام، طرأت تغيرات اجتماعية وثقافية وبيئية كبيرة في جميع أنحاء القارة.
وقالت الباحثتان: “نحن جزء من فريق علمي متعدد التخصصات نشر مؤخرًا دراسة حول كيفية تكيف المجتمعات الأفريقية المتنوعة مع تقلبات المناخ على مدى العشرة آلاف عامًا الماضية. تُعد هذه أول دراسة تستكشف آلاف السنين من التغير في سبل عيش الناس في جميع أنحاء القارة باستخدام بيانات النظائر”.
النظريات السابقة
افترضت النظريات السابقة –في الغالب- أن المجتمعات وأنظمتها الغذائية تطورت بشكل خطي. بمعنى آخر، تطورت من مجتمعات صيد وجمع بسيطة إلى مجتمعات معقدة سياسيًا واجتماعيًا تمارس الزراعة، كما ذكرت الباحثتان.
غير أن الدراسة ترى أن مزيجًا معقدًا من الاستراتيجيات القابلة للتكيف هي التي ساعدت الناس على البقاء. وعلى مدى عشرة آلاف عام، كان الاعتماد على مصادر غذاء متنوعة في أفريقيا عاملًا لتكيف المجتمعات في القارة من خلال الجمع بين الرعي والزراعة وصيد الأسماك والبحث عن الطعام من أجل سبل عيش متنوعة. مزجت هذه المجتمعات ممارسات مختلفة بناءً على ما نجح في أوقات مختلفة في بيئتها الخاصة. وكان هذا التنوع عبر المجتمعات والمناطق مفتاحًا لبقاء الإنسان.
وقال البحث إنه يشير إلى أن خطط التنمية الصارمة، التي تعتمد على التنازل، بما في ذلك تلك التي تُعطي الأولوية لتكثيف الزراعة على الاقتصادات المتنوعة، من غير المرجح أن تنجح.

وتُشجع العديد من السياسات الحديثة على اتباع مناهج ضيقة، مثل التركيز فقط على المحاصيل النقدية. لكن التاريخ يروي قصة مختلفة. فالصمود لا يعني اختيار الطريقة “الأفضل” أو “الأكثر كثافة” والالتزام بها، بل يعني الحفاظ على المرونة ودمج استراتيجيات مختلفة لتتماشى مع الظروف المحلية.
وقالت الباحثتان: “تمكنا من تطوير رؤانا من خلال النظر في الأدلة التي خلّفها الطعام الذي تناوله الناس والبيئات التي عاشوا فيها. وقد فعلنا ذلك من خلال تحليل الآثار الكيميائية (النظائر) في عظام البشر والحيوانات الأليفة القديمة من 187 موقعًا أثريًا في جميع أنحاء القارة الأفريقية”.
الرعي أكثر مصادر الغذاء في أفريقيا تكيفًا مع ظروف المناخ
توصلت الدراسة إلى مجموعة واسعة من أنظمة سبل العيش. على سبيل المثال، في ما يُعرف الآن ببوتسوانا وزيمبابوي، جمعت بعض المجموعات بين الزراعة على نطاق صغير وجمع الطعام البري ورعي الماشية بعد فترة الرطوبة الأفريقية. وفي مصر والسودان، كانت المجتمعات المحلية تمزج بين زراعة المحاصيل ــ التي تركز على القمح والشعير والبقوليات ــ وصيد الأسماك، ومنتجات الألبان، وصنع البيرة.
كما طوّر الرعاة، خاصة، استراتيجيات مرنة للغاية. فقد تكيفوا مع السهول الحارة، والمرتفعات الجافة، وكل ما بينهما. وتظهر النظم الرعوية (الزراعة باستخدام حيوانات الرعي) في مواقع أثرية أكثر من أي نظام غذائي آخر. كما أنها تتميز بأوسع نطاق من البصمات الكيميائية، مما يدل على قدرتها على التكيف مع البيئات المتغيرة.
استخدمت الدراسة أيضًا بيانات النظائر لرسم صورة عن كيفية استخدام الناس للماشية. اعتمدت معظم أنظمة إدارة الحيوانات على الأعشاب (نباتات مثل الدخن والمراعي الاستوائية)، وتكيفت مع ظروف بيئية متنوعة. وتخصصت بعض الأنظمة بشكل كبير في البيئات شبه القاحلة والجبلية. وشملت أنظمة أخرى قطعانًا مختلطة تكيفت مع المناطق الأكثر رطوبة أو انخفاضًا في الارتفاع. وفي حالات أخرى، كانت الحيوانات تُربى بأعداد صغيرة لتكملة سبل العيش الأخرى – لتوفير الحليب والروث، والحماية من فشل المحاصيل.
تساعد هذه القدرة على التكيف على توضيح سبب بقاء النظم الرعوية، على مدى الألفية الماضية، بهذه الأهمية، لا سيما في المناطق ذات الجفاف المتزايد.
وتقدم الدراسة أيضًا أدلة قوية على التفاعلات بين إنتاج الغذاء والبحث عن الطعام، سواء على مستوى المجتمع المحلي أو الإقليمي.

وبرزت استراتيجيات سبل العيش المختلطة الديناميكية، بما في ذلك التفاعلات مثل التجارة داخل المجتمعات المحلية وفيما بينها، بشكل خاص خلال فترات التوتر المناخي. ومن بين هذه الفترات نهاية العصر الرطب الأفريقي (منذ حوالي 5500 عام)، عندما خلق المناخ الأكثر جفافًا تحديات جديدة.
في جنوب شرق أفريقيا، منذ 2000 عام، ظهرت أنظمة معيشية متنوعة تجمع بين الرعي والزراعة والبحث عن الطعام بطرق معقدة. ومن المرجح أن هذه الأنظمة نشأت استجابةً لتغيرات بيئية واجتماعية معقدة. ومن المرجح أن التغيرات المعقدة في الشبكات الاجتماعية – وخاصةً فيما يتعلق بتقاسم الأراضي والموارد والمعرفة – عززت تطور هذه المرونة، وفق تقرير “ذا كونفرساشن“.