
غذاء ومناخ
تدهور الأراضي الزراعية العربية يتفاقم، ويتجاوز باقي أنحاء العالم، لذلك حذرت دراسة حديثة من ذلك، في اليوم العالمي لمكافحة التصحرن الذي يحل في 17 يونيو/حزيران من كل عام.
كشفت الدراسة الحديثة التي أجرتها منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو) عن مستويات مقلقة من تدهور الأراضي الزراعية العربية على وجه الخصوص، حيث يتعرض أكثر من 46 مليون هكتار من الأراضي الزراعية – أي ثلثي مساحة الـ 70 مليون هكتار المتضررة من التدهور البشري – للخطر.
ويهدد تدهور الأراضي عامة، وبشكل مباشر استدامة ومرونة أنظمة الأغذية الزراعية، مما يقوض قدرتها على تحقيق الأمن الغذائي والتغذية، وكذلك قدرتها على تلبية الطلبات المستقبلية.
ويأتي ذلك في وقت تقدر الفاو فيه أنه بحلول عام 2050، ستحتاج الزراعة إلى إنتاج 50% أكثر من الغذاء والأعلاف والوقود الحيوي، مقارنة بعام 2012.
وتتزايد الضغوط المجتمعية والبيئية على أنظمة الأغذية الزراعية. كما يؤدي تغير المناخ إلى تقليل الإنتاج الزراعي البعلي والمروي، ما يفاقم المخاطر الناجمة عن عقود من الاستخدام غير المستدام للأراضي والمياه.
وتؤكد الدراسة، التي نُشرت في مجلة الزراعة التابعة لمعهد البحوث الزراعية والغذائية (إم دي بي آي) على الحاجة الملحة لاستعادة الأراضي المتدهورة وتحسين الأمن الغذائي، واطلعت عليها منصة “غذاء ومناخ“.
تدهور الأراضي الزراعية العربية
على الصعيد العالمي، تُقدّر منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) أن 1.66 مليار هكتار من الأراضي قد تدهورت بسبب الأنشطة البشرية، وأن أكثر من 60% من هذه المساحة تؤثر في الأراضي الزراعية، بما في ذلك الأراضي المُستخدمة للزراعة والرعي.
وبالنظر إلى أن 95% من إنتاج الغذاء العالمي يعتمد على الأراضي، فإن هذا التدهور الواسع النطاق يُشكل تحديات كبيرة لأنظمة الأغذية الزراعية.
وتدعو الدراسة إلى حلول متكاملة لمنع تدهور الأراضي العربية وغير العربية؛ والحد منه وعكس مساره. وتؤكد على الإدارة المستدامة للتربة والأراضي والمياه، وتحث المجتمع الدولي على إعطاء الأولوية لتحويل نظام الأغذية الزراعية لتحقيق حيادية تدهور الأراضي، وتعزيز الإنتاجية، والحفاظ على التنوع البيولوجي، ومعالجة آثار تغير المناخ.
وخلصت الدراسة إلى أن تدهور الأراضي الزراعية العربية يُظهر معدلات مقلقة للغاية، مع كون الأراضي الزراعية معرضة للخطر بشكل خاص.
وتشمل العوامل التي تُسهم في هذا التدهور الاستخدام المفرط للأسمدة والمبيدات الحشرية، وتملح التربة نتيجة ممارسات الري، وتزايد حدوث العواصف الرملية والترابية، وارتفاع درجات الحرارة، وندرة المياه المرتبطة بتغير المناخ.
ومع تخصيص أقل من 4% من الأراضي العربية للاستعادة، فإن المنطقة لا تحقق الأهداف العالمية. ويمكن لاستعادة 26 مليون هكتار من الأراضي الزراعية المتدهورة أن تُقلص فجوة الغلة بنسبة تصل إلى 50% للمحاصيل الزيتية، وتُمكّن محاصيل الحبوب والجذور والدرنات من تحقيق غلتها المُثلى.
ارتفاع الحرارة الأسوأ
يؤدي تدهور الأراضي الناجم عن الإنسان وندرة المياه وتغير المناخ إلى زيادة المخاطر على الزراعة وخدمات النظم الإيكولوجية – وخاصة في الأوقات والأماكن التي تشتد فيها الحاجة إلى النمو الاقتصادي.
كما تتسبب زيادة البخر وأنماط هطول الأمطار المتغيرة إلى تغيير ملاءمة الأراضي والمحاصيل وجعل إمدادات المياه أكثر تقلبًا؛ ستشهد بعض المناطق مياه أقل، ومناطق أخرى أكثر.
وتُسلّط السيناريوهات المستقبلية الضوء على ضرورة تكييف أنماط الزراعة وممارسات الإدارة مع تحوّل ملاءمة المحاصيل والأراضي، والاستثمار في استنباط أصناف محاصيل تتحمل ارتفاع درجات الحرارة والملوحة والرياح والتغيّرات في البخر.

في عام 2024، قدّرت (الفاو) أن 5.4 مليار شخص – أي 67% من سكان العالم – يعيشون في بلدان تشهد درجات حرارة تتجاوز 1.5 درجة مئوية فوق خط الأساس، وأن 3.5 مليار هكتار، أي ما يُمثّل 73% من المساحة الزراعية، مُعرّضة أيضًا لهذا المستوى من الاحترار.
وقد استمرت هذه الأرقام في النمو في السنوات الأخيرة. وأثّرت موجات الجفاف في عدد أكبر من الناس في جميع أنحاء العالم مقارنةً بأي خطر طبيعي آخر على مدى السنوات الأربعين الماضية، مع توقعات بزيادات في الشدة والمدة والتكرار والنطاق المكاني بسبب تغيّر المناخ وارتفاع درجات الحرارة.
وأشارت التقارير المقدمة إلى اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر (UNCCD) من أكثر من 100 دولة إلى أن 1.84 مليار شخص عانوا من الجفاف خلال المدة 2022-2023.
وقد أثر هذا في إنتاجية الأراضي، والأمن الغذائي والمائي، وسبل عيش المجتمعات الأكثر ضعفًا، لا سيما في البلدان ذات القدرة المحدودة على استيعاب هذه الصدمات. وتُبرز دراسات البلدان التأثير الواسع النطاق للجفاف على استهلاك الغذاء، والمدخول الغذائي، وأسواق العمل .
استعادة الأراضي الزراعية
تُبرز نتائج دراسة منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) الحاجة المُلحة لمبادرة إقليمية مُخصصة – تُسهّل التعاون بين البلدان – مُصممة خصيصًا للسياقات المحلية، وتُركز على استعادة الأراضي الزراعية لتعزيز الأمن الغذائي، والحد من الفقر، وبناء نظم غذائية زراعية مستدامة وقادرة على الصمود.
وبناءً على الزخم الإقليمي والعالمي القائم، بما في ذلك خطة عمل الرياض التي أُطلقت في مؤتمر الأطراف السادس عشر لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر (كوب 16 ) في ديسمبر/كانون الأول 2024.
و تهدف المبادرة المُقترحة مساندة الجهود الرامية إلى تعزيز استعادة الأراضي، وتحسين القدرة على التكيف مع الجفاف والمياه، وتعزيز نظم الأغذية الزراعية المستدامة، وبالتالي منع المزيد من التدهور.
ولمنظمة الأغذية والزراعة في مجال استعادة النظم الإيكولوجية ومكافحة التصحر في المنطقة العربية، مجهودات كبيرة. وتُعد المنطقة العربية منطقة مُتأثرة بشدة بالتصحر وتدهور الأراضي والجفاف.
وفي مؤتمر الأطراف السادس عشر (COP16) – الذي عُقد في المنطقة العربية لأول مرة – أكدت منظمة الأغذية والزراعة على الحاجة المُلحة لاستعادة الأراضي الزراعية المتدهورة كركيزة أساسية لتحويل نظم الأغذية الزراعية وضمان الأمن الغذائي. وقد ساهم هذا في صياغة القرار التاريخي لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر بشأن الأراضي الزراعية – القرار 19/COP.16، الذي يتناول تجنب تدهور الأراضي والتربة في الأراضي الزراعية والحد منه وعكس مساره.

كما تقود منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) إطار الاستثمار الإقليمي لمنطقة الشرق الأدنى وشمال أفريقيا من أجل حلول استعادة النظم الإيكولوجية وتنميتها، والذي وُضع بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة للبيئة واتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر وجامعة الدول العربية.
وتشجع هذه المبادرة “الدول الرائدة” على قيادة مشاريع استعادة قابلة للتوسع في جميع أنحاء المنطقة.، وفق بيان تلقته منصة “غذاء ومناخ”.
إضافةً إلى ذلك، أطلقت منظمة الأغذية والزراعة منصة ملاءمة المحاصيل، وهي أداة مبتكرة توفر بيانات حيوية عن التربة والمحاصيل لتوجيه التخطيط الزراعي المستدام. وتُعد هذه الجهود جزءًا من جهد أوسع نطاقًا لدمج استعادة الأراضي في السياسات الوطنية، وتعزيز القدرة على التكيف مع تغير المناخ، ودعم التنوع البيولوجي وسبل العيش في المناطق الجافة في المنطقة العربية.