
غذاء ومناخ
خففت الضربات على إيران الضغط على إسرائيل لإنهاء المجاعة في غزة، إذ سيكون منتقدو الحرب أكثر ترددًا في الضغط لإنهاء الحرب بينما تُودي الصواريخ من طهران بحياة الناس في تل أبيب.
في الساعات التي تلت هجوم إسرائيل على إيران، توقفت شحنات وتوزيع المواد الغذائية في غزة، وتأجلت القمة الفرنسية السعودية التي كان من المفترض أن تمهد الطريق لاعتراف أوسع بدولة فلسطينية إلى أجل غير مسمى، وفقًا لتقرير اطلعت عليه منصة “غذاء ومناخ“.
ويبدو أن الضغط الدولي بشأن المجاعة في غزة وقتل المدنيين في القطاع قد تبدد خلال مدة وجيزة من الوقت الذي استغرقه دخان الضربات الصاروخية الأولى لينقشع عن طهران.
وكان أحدث تقييم صادر عن منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) وبرنامج الأمم المتحدة للتطبيقات الساتلية (يونوسات) قد حذر من أن المجاعة في غزة تهدد جميع سكان القطاع – حوالي 2.1 مليون شخص – إذ يواجهون مستوً حرجًا من المجاعة بعد 19 شهرًا من الصراع والنزوح الجماعي والقيود الشديدة على المساعدات الإنسانية.
ووفقًا لتقرير التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي، بين 1 أبريل/نيسان و10 مايو/أيار 2025، صُنِّف 93% من السكان، أي ما يعادل 1.95 مليون نسمة، في مرحلة الأزمة أو ما هو أسوأ (المرحلة الثالثة أو أعلى من التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي)، بما في ذلك 925 ألفًا (44%) في المرحلة الرابعة (الطوارئ) و244 ألفًا، أي ما يعادل 12% من السكان، في المرحلة الخامسة (الكارثة).
وفي المرحلة الخامسة، يُعاني السكان من مستويات كارثية من انعدام الأمن الغذائي ويواجهون خطر المجاعة في غزة.
غزة في المرتبة الثانية
سارع الجيش الإسرائيلي إلى إعلان إيران على رأس أولوياته، مع تراجع معركة غزة إلى المرتبة الثانية. وقد تردد صدى هذا التحول في وزارات الخارجية وغرف الأخبار حول العالم.
قال الخبير السياسي والمستشار السابق لمنظمة التحرير الفلسطينية، كزافييه أبو عيد: “إن مهاجمة إسرائيل لإيران لا تعني انتهاء الحرب في غزة. اليوم، سقط عشرات القتلى، والفرق الوحيد هو أن هذا سيحظى باهتمام أقل بكثير مما كان عليه بالأمس”.
وأضاف: “رسالة إسرائيل [من خلال هذه الهجمات] هي أنه لا يوجد حل سياسي لأي شيء في المنطقة. بضرب إيران، يريدون تخريب المفاوضات الأميركية الإيرانية، وكذلك موجة الدعم الدولي لاتخاذ إجراءات ملموسة بشأن فلسطين”.
كما أن قرار رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بالقضاء على التهديد الأمني الذي يشكله البرنامج النووي الإيراني قد قلل من أهمية تهديد دبلوماسي واقتصادي كبير لحكومته.
وأصبح بعض أقرب حلفاء إسرائيل في أوروبا أكثر صراحةً بشأن تأثير الحرب في غزة في المدنيين، وتصاعد عنف المستوطنين اليهود ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة.
حتى التحالفات القوية تاريخيًا مع دول مثل هولندا وألمانيا كانت تتعثر في مواجهة حصار غزة المستمر منذ 11 أسبوعًا، وتحذيرات الأمم المتحدة من مجاعة وشيكة، وعمليات قتل جماعي متكررة للحشود الجائعة التي تحاول الوصول إلى مواقع توزيع الغذاء.

وأعلن الاتحاد الأوروبي الشهر الماضي عن مراجعة حقوق الإنسان لاتفاقية التجارة الحرة واسعة النطاق مع إسرائيل، وكان من المتوقع صدور نتائجها في اجتماع مجلس الشؤون الخارجية للاتحاد في وقت لاحق من هذا الشهر.
وقد تمهد توصياتها الطريق لأوروبا للاستفادة من قوتها الاقتصادية الكبيرة كأكبر شريك تجاري لإسرائيل، حيث تمثل أكثر من 30% من وارداتها وصادراتها.
وفرضت المملكة المتحدة وكندا وفرنسا والنرويج هذا الشهر عقوبات على وزيرين إسرائيليين “لتحريضهما المتكرر على العنف ضد المدنيين الفلسطينيين”، وحذرت من خطوات أخرى قد تتبع ذلك.
وأثارت القمة الفرنسية السعودية حول حل الدولتين توقعات باستعداد الدول الأوروبية الكبرى للاعتراف من جانب واحد بدولة فلسطينية. وقد أثار ذلك قلق إسرائيل وحلفائها في الولايات المتحدة لدرجة أن واشنطن أصدرت تحذيرًا دبلوماسيًا رسميًا من حضورها.
المجاعة في غزة تتحرك للأسوأ
في الوقت الحالي على الأقل، تبدد ذلك الشعور بالزخم الدبلوماسي الذي كان من الممكن أن يوقف الحرب في غزة. حتى الحكومات التي أصبحت أكثر انتقادًا لحرب نتنياهو في غزة ستتردد في الضغط من أجل إنهائها بينما تقتل الصواريخ من طهران الناس في تل أبيب.
وقال دبلوماسي غربي: “من المؤسف أن تأتي هذه الهجمات في وقت شهد تطورات مثيرة للاهتمام [بشأن فلسطين والحرب في غزة]”.
وقال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، إن الهجمات على إيران “يجب ألا تجعلنا ننسى غزة بأي حال من الأحوال”، وصرح للصحفيين بأن القمة تأجلت لأسباب أمنية عملية فقط. وأضاف أنها ستُعقد في أقرب وقت ممكن، لكنه لم يتمكن من تحديد موعد.
في غزة، كان الكثير من الناس غافلين عن الحرب وجميع المناورات الدبلوماسية التي أطلقتها، لأن أحد أطول انقطاعات الاتصالات خلال الحرب قد أدخل معظم القطاع في عزلة.
وأعلنت الأمم المتحدة أن شبكات الهاتف والإنترنت معطلة منذ يوم الأربعاء الماضي بسبب تلف كابلات الألياف الضوئية الرئيسة. قال مكتب تنسيق المساعدات التابع للأمم المتحدة: “منذ أبريل/نيسان، رفضت السلطات الإسرائيلية أكثر من 20 طلبًا لتنفيذ أعمال إصلاح عاجلة”.
وهذا يعني أنهم لم يتمكنوا من الاطلاع على أوامر الإخلاء الجديدة التي نشرها المتحدث العسكري الإسرائيلي، أو التحذيرات من استمرار الحرب في غزة “بقوة مفرطة”.
كما لم يتمكنوا من الوصول إلى إعلانات صندوق غزة الإنساني، المنظمة الجديدة المدعومة من الولايات المتحدة وإسرائيل، والتي توزع بعض المواد الغذائية في القطاع من مجمعات يحرسها الجيش الإسرائيلي.
وقال صندوق غزة الإنساني في بيان للصحافة الدولية: “أُمرنا بالتوقف. لقد طلبنا من جيش الدفاع الإسرائيلي تسهيل عملية تسليم المساعدات الجارية في أسرع وقت ممكن”.
يستخدم صندوق غزة الإنساني فيسبوك فقط للتواصل مع الفلسطينيين. لذا، توجهت حشود جائعة غافلة إلى المراكز صباح السبت، كما اعتادت منذ أواخر مايو/أيار. وأسفر إطلاق النار من قبل الجنود الإسرائيليين عن مقتل 15 منهم على الأقل.

وأفادت السلطات الصحية المحلية بأن الهجمات الإسرائيلية قتلت ما لا يقل عن 7 أشخاص آخرين خلال الليل. وقد شهدنا انخفاضًا في الغارات الجوية، حيث حوّل الجيش الإسرائيلي تركيزه إلى إيران. لكن يوم الجمعة، حذّر متحدث عسكري إسرائيلي من أن العمليات هناك ستستمر “بقوة مفرطة”، وصدرت أوامر إخلاء جديدة يوم السبت.
وكتب صحفي الجزيرة، أنس الشريف، في تغريدة على موقع إكس: “يتفاقم الجوع في غزة، ويشتدّ الحصار، والقتلى في كل مكان”، مشيرًا إلى أن غزة “مُغرَقة في عزلة تامة عن العالم”، وفق تقرير لصحيفة “الغارديان”.