المياه الجوفية في الهند تتناقص.. أمطار موسمية أقل وقوانين استعمارية

غذاء ومناخ

تغطي المياه الجوفية في الهند أكثر من 60% من احتياجات الري، و80% من احتياجات الشرب في المناطق الريفية، إلا أن ضعف موسم الأمطار الموسمية العام الماضي أدى إلى جفاف، ونقص في المياه، في وقت لا تزال منظومة إدارة المياه تواجه تحديات عديدة منها سيطرة قوانين استعمارية.  

وأدى نقص المياه لما يقارب من 4 ملايين نسمة، معظمهم في الضواحي، والذين يعتمدون على المياه الجوفية المستخرجة عبر الآبار، ما أدى بدوره إلى طوابير طويلة من السكان لشراء المياه من الصهاريج، وفقًا للأستاذة المساعدة والمديرة المشاركة لمركز “كومنز سيل” في كلية الحقوق الوطنية بجامعة بنغالورو الهندية، والتي تُدرّس وتُجري أبحاثًا في مجال قوانين المياه والبيئة والملكية، غاياثري د. نايك.

وتعكس هذه المشاهد مشكلةً أوسع نطاقًا في جميع أنحاء البلاد، مع تفاقم ندرة المياه وتزايد احتياجات السكان. وكتبت نايك مقالًا، اطلعت عليه منصة “غذاء ومناخ“، أشارت فيه إلى أن التوترات تتصاعد – سواء داخل المناطق الحضرية أو في النزاعات الأوسع بين الولايات.

واستجابةً لنضوب موارد المياه السطحية، تتجه بنغالورو والعديد من المناطق الأخرى بشكل متزايد إلى طبقات المياه الجوفية لإرواء عطشها وتلبية احتياجاتها اليومية.

يُفاقم هذا التسابق على استخراج المياه الجوفية في الهند الأزمة. كما تتزايد الدعوات لإعادة النظر بشكل عاجل في نماذج حوكمة المياه، لا سيما فيما يتعلق بإدارة المياه الجوفية وتنظيمها.

استخدام المياه الجوفية في الهند أكثر من أي مصدر آخر

تُستخدم المياه الجوفية في الهند أكثر من أي مصدر آخر. وفي المناطق الريفية، تُعدّ المصدر الرئيس لمياه الشرب والاستخدام المنزلي، كما تُساعد في تلبية العديد من احتياجات المناطق الحضرية.

وكتبت غياثري د. نايك، أن الولايات الشمالية، مثل البنجاب وهاريانا وراجستان وأوتار براديش، تتأثر بشدة باستخراج المياه الجوفية على نطاق واسع، حيث يعمل جزء كبير من سكانها في الزراعة.

ووفقًا لتقرير حكومي صدر عام 2024 عن المجلس المركزي للمياه الجوفية، فإن الهند تستهلك المياه الجوفية بوتيرة أسرع من قدرتها على إعادة استردادها طبيعيًا.

وفي المتوسط، تستخرج البلاد ما يزيد قليلًا عن 60% من المياه المتاحة تحت الأرض. من بين ما يقارب من 7 آلاف منطقة شملتها الدراسة، تُعد 11% منها “مُستغلة بشكل مفرط”، حيث يستهلك الناس كميات من المياه تفوق قدرة الطبيعة على تعويضها.

فلاح هندي – الصورة من سبوتنيك إنديا

وتعاني 3% أخرى من وضع حرج، حيث تُستهلك تقريبًا كل المياه الجوفية المتاحة، بينما تُعد 11% منها معرضة للخطر “شبه حرجة”، ولا تزال 73% منها في المعدلات الآمنة، بنسبة استخراج أقل من 70%.

وتُعزى أزمة المياه الجوفية في الهند إلى النمو السكاني، وتكثيف الزراعة، والتصنيع السريع، والتحضر غير المستدام. وتتمثل العوامل الرئيسة في الزراعة، والطلب على المياه الصناعية، واحتياجات مياه الشرب.

كما أن الدعم الحكومي للطاقة والائتمان والوصول إلى الأسواق – الذي طُرح لأول مرة خلال الثورة الخضراء في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي لتعزيز الإنتاجية الزراعية ومعالجة الفقر والأمن الغذائي – كان له أيضًا عواقب غير مقصودة.

وفي حين ساعدت هذه التدابير في ضمان توفر ما يكفي من الغذاء للبلاد، إلا أنها شجعت أيضًا على الإفراط في استخراج المياه الجوفية، ما أدى إلى تقويض توفر المياه والاستدامة البيئية، “وفقًا لبحثي”، كما قالت نايك.

قوانين قديمة تحرم النساء من المياه

أشارت غياثري د. نايك إلى أن الإطار التنظيمي إدارة المياه الجوفية في الهند يُفاقم تحديات تطويرها.

ويستند هذا الإطار إلى مفهوم “الترابط بين الأرض والمياه” البالي، وهو مفهوم طُوّر خلال العصر الصناعي البريطاني، ثم اعتُمد لاحقًا في القانون الهندي من خلال قرارات محاكم الحقبة الاستعمارية.

 وبموجب هذا النظام، المنصوص عليه في قانون الارتفاق الهندي لعام 1882، تُعامل المياه الجوفية على أنها امتداد للأرض، ما يمنح ملاك الأراضي الحق في استخدام هذه المياه الموجودة تحت ممتلكاتهم.

ولا يعكس هذا الإطار الواقع الاجتماعي والاقتصادي والبيئي والمناخي في الهند. فمن خلال ربط حقوق المياه الجوفية بملكية الأراضي والعقارات، فقد عزز التفاوتات التاريخية في توزيع الأراضي، والتي تُفيد بشكل غير متناسب ملاك الأراضي الذكور من الطبقة العليا.

وفي الوقت نفسه، فإن العديد من مجتمعات الطبقات الدنيا والنساء، اللواتي يُشكلن جزءًا كبيرًا من القوى العاملة الزراعية في الهند، لديهن وصول أقل بكثير إلى الأرض – وبالتالي إلى المياه الجوفية التي تحتويها.

يُكرّس هذا النظام الظلم الاجتماعي والاقتصادي، وينتهك المبادئ الدستورية للمساواة والعدالة التوزيعية والحق الأساسي في المياه، التي تعترف بها المحاكم الهندية.

نسان يجلبن المياه الجوفية في الهند – الصورة من الموقع الإلكتروني للبنك الدولي

وحاولت الدولة معالجة هذه المشاكل من خلال القوانين واللوائح، بما في ذلك مشروعا قانون المياه الجوفية النموذجيان لعامي 1992 و2005. إلا أن هذه القوانين تُحافظ إلى حد كبير على الإطار القديم القائم على الأراضي. فهي تتبع نهجًا “علاجيًا”، إذ تتدخل فقط لتنظيم المناطق التي تعاني من أزمة، بدلًا من حماية موارد المياه الجوفية في الهند بشكل استباقي.

تتبع قوانين المياه الجوفية الحالية في معظم الولايات الهندية نمطًا موحدًا لا يُراعي العوامل المحلية المهمة، مثل الاختلافات في طبقات المياه الجوفية، وأنماط المناخ، وتوزيع هطول الأمطار، والواقع الاجتماعي والاقتصادي لكل منطقة.

ولا تُعالج القوانين الحالية أوضاع المياه الجوفية المتنوعة في مختلف أنحاء البلاد، وخاصة في الولايات الشرقية والجنوبية حيث يقلّ تطوير واستكشاف المياه الجوفية مقارنةً بالأحزمة الزراعية في الولايات الشمالية.

كما أنها تفشل في معالجة التحديات المستمرة الناجمة عن تغير المناخ، مثل ارتفاع معدلات استنزاف طبقة المياه الجوفية خلال أوقات الجفاف والظروف الجافة الناجمة عن ضعف هطول الأمطار الموسمية.

ولا تحظى الشواغل البيئية – وخاصةً إعادة تغذية المياه الجوفية، واستدامة مصادر المياه، واحتياجات النظم الإيكولوجية المائية – باهتمام كافٍ في هذه القوانين. ومع تزايد مناقشة المحاكم وصانعي السياسات لحقوق الطبيعة، من الضروري إدراج حماية البيئة واحتياجات النظم الإيكولوجية المائية في تنظيم المياه الجوفية، وفق الباحثة، في مقال منشور على موقع “ديالوغ إيرث“.

اقرأ أيضاً

  • يونيو 17, 2025
  • 25 views
دراسة: تدهور الأراضي الزراعية العربية يتزايد

غذاء ومناخ تدهور الأراضي الزراعية العربية يتفاقم، ويتجاوز باقي أنحاء العالم، لذلك حذرت دراسة حديثة من ذلك، في اليوم العالمي لمكافحة التصحرن الذي يحل في 17 يونيو/حزيران من كل عام.…

Read more

  • يونيو 12, 2025
  • 39 views
الفاو: إنتاج الغذاء العالمي جيد.. 1.7 تريليون بيضة وأرز قياسي

غذاء ومناخ تشيرتوقعات إنتاج الغذاء العالمي إلى حالة من التفاؤل، إذ سُجل إنتاج 1.7 تريليون بيضة، ومن المتوقع وصول الأرز إلى مستوى قياسي، ورغم ذلك لا يزال تحت رحمة الظروف…

Read more

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *