
غذاء ومناخ
يُقدَّر أن تدهور الأراضي، المتمثل في فقدان الكربون في التربة، مستمر منذ 12 ألف عام على الأقل، ولكنه ازداد بشكل كبير في القرنين الماضيين.
ووفقًا للأستاذة في مركز البحوث والدراسات المتقدمة التابع للمعهد الوطني للعلوم التطبيقية بالمكسيك، والمؤلفة الرئيسة للفصل الرابع من تقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ الخاص بتغير المناخ والأراضي، بعنوان: “تدهور التربة”، يؤثر تدهور الأراضي حاليًا في 25%-40% من كوكب الأرض، ما يؤثر بشكل مباشر في رفاهية ما لا يقل عن 3.2 مليار شخص. وتؤدي الأنشطة البشرية إلى تدهور ما يقارب من 12 مليون هكتار من الأراضي سنويًا، ما يُؤدي إلى خسارة تُقدر بنسبة 10% في الناتج المحلي الإجمالي، ويرتبط ذلك بانخفاض خدمات النظم الإيكولوجية والتنوع البيولوجي، وفقًا لمقال فلوريس-رينتيريا الذي اطلعت عليه منصة “غذاء ومناخ“.
ملامح تدهور الأراضي
تؤدي ممارسات الزراعة غير المستدامة، التي يتفاقم أثرها بسبب ضغوط المناخ، إلى تآكل التربة والتصحر ونضوب المغذيات. وأشارت فلوريس-رينتيريا إلى أن فقدان المادة العضوية في التربة والتنوع البيولوجي يُضعف احتباس الماء ودورة المغذيات، ما يُقوّض أسس الزراعة التجديدية الإنتاجية.
ومع ذلك، فإن تأثير هذه العمليات غير متساو للجميع، إذ يتأثر صغار المزارعين بشكل غير متناسب، لا سيما في المناطق النامية مثل أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وجنوب آسيا وأمريكا اللاتينية.
وتواجه هذه المجتمعات، التي غالبًا ما تعتمد على الزراعة البعلية، ظروفًا سيئة للتربة وقدرة محدودة على التكيف. علاوة على ذلك، تعتمد نسبة كبيرة من السكان ذوي الدخل المنخفض والسكان الأصليين في هذه المناطق اعتمادًا كبيرًا على النظم الغذائية المحلية، ما يجعلهم أكثر عرضة للاضطرابات الناجمة عن المناخ.

ومن الأمثلة على التأثير الكبير لتغير المناخ في الرعي، الذي يمارسه ما بين 200 مليون و500 مليون شخص في أكثر من 75% من البلدان.
ويتفاقم ضعف النظام الرعوي بسبب عوامل غير مناخية مثل حيازة الأراضي، والتغيرات في المؤسسات التقليدية، ونقص الأسواق، والصراعات.
وبسبب للترابطات المعقدة بين الأزمات البيئية العالمية، مثل: تغير المناخ، وتدهور الأراضي، والتلوث والنفايات، وفقدان التنوع البيولوجي، فإنه يجب أن تأخذ مسارات الحلول هذه التفاعلات في الاعتبار.
وأضافت أن هذا النهج المتكامل قد يُسفر عن فوائد مشتركة متعددة أو يؤدي إلى مقايضات وعواقب غير مقصودة.
وأشارت فلوريس-رينتيريا إلى وجود أدلة قوية على أن حقول المحاصيل المُدارة بشكل مستدام تتفوق على تلك التي لا تُدار بشكل مستدام في عدة جوانب رئيسة.
وتميل الحقول الخاضعة للإدارة المستدامة إلى الاحتفاظ بتربة سطحية أكثر، والحفاظ على مستويات رطوبة أعلى، ودعم غطاء نباتي أكبر (مما يؤدي إلى زيادة امتصاص الكربون في التربة)، وتخزين المزيد من الكربون في التربة، وتقليل التآكل، والخسائر الاقتصادية التي تخلفها الأعاصير. وتزداد فوائد الإدارة المستدامة للأراضي وضوحًا في التطبيقات الأوسع نطاقًا، لا سيما في التعامل مع زيادة شدة العواصف والمنحدرات.
وعند معالجة تدهور الأراضي من خلال الإدارة المستدامة للأراضي، من الضروري مراعاة آليات التغذية الراجعة التي تؤثر في الأزمات البيئية الأخرى.
وعلى سبيل المثال، يمكن لممارسات استخدام الأراضي أن تقلل من انبعاثات غازات الدفيئة وتعزز مرونة النظام البيئي من خلال تقليل استخدام الكيماويات الزراعية، ما يسهم أيضًا في تقليل تلوث التربة وحماية المياه الجوفية من خلال تقليل فقدان المغذيات الناتجة عن الجريان السطحي.
يتمثل أحد أهداف هذه الممارسات في تعزيز تكامل الأنواع المحلية، ما يسهم بشكل أكبر في الحفاظ على التنوع البيولوجي وصحة النظام البيئي بشكل عام.
تأثير تقليل اللحوم في الاستدامة
في ضوء التنبؤات المتعلقة بالاحتياجات الغذائية المستقبلية، يُعد التحول الغذائي متغيرًا رئيسًا في كمية الغذاء المطلوبة بحلول عام 2050، وفق فلوريس-رينتيريا.
وسيسهم تقليل تناول اللحوم في الاستدامة، مع الاستفادة المشتركة من تحسين الصحة العامة؛ ومع ذلك، قد لا يكون القضاء على استهلاك اللحوم واقعيًا أو مفيدًا للجميع.
من ناحية يمكن أن يؤدي إنتاج كميات أقل من اللحوم إلى خفض الانبعاثات وتقليل الضغط على موارد الأراضي والمياه، ما يعزز استخدام الأراضي بشكل أكثر استدامة.
ومن ناحية أخرى، توفر اللحوم بروتينًا عالي الجودة وفيتامينات ومعادن أساسية، وهي ضرورية في العديد من الأنظمة الغذائية، لا سيما في المناطق ذات المصادر البديلة المحدودة.
علاوة على ذلك، تدعم تربية الماشية ملايين المزارعين والمجتمعات الرعوية، لا سيما في المناطق التي تشكل فيها الممارسات الزراعية البديلة تحديًا.
ويمكن أن يعزز إنتاج الماشية خصوبة التربة، ويعزل الكربون، ويسهم في التنوع البيولوجي عند إدارته بشكل مستدام. ويمكن أن يكون إنتاج اللحوم جزءًا من نموذج زراعي متجدد يفيد البيئة والاقتصادات المحلية.
وتركز ممارسات الثروة الحيوانية المستدامة على إدارة رعي الحيوانات بطرق تستعيد وتعزز صحة التربة والتنوع البيولوجي ومرونة النظام البيئي.

تشمل الممارسات المحددة: الرعي التناوبي، ما يسمح للنباتات بالتعافي بين أوقات الرعي؛ دمج الثروة الحيوانية في إنتاج المحاصيل، وتسهيل إعادة تدوير المغذيات الطبيعية، وتشجيع الأنواع المحلية من المراعي لدعم ديناميكيات النظم البيئية المحلية، وتطبيق استراتيجيات الإدارة الوراثية للحفاظ على تنوع الثروة الحيوانية وقدرتها على الصمود.
وتُحسّن هذه الممارسات من المادة العضوية في التربة واحتباس الماء، وتُقلل الحاجة إلى الأسمدة الصناعية، وتُعزز استدامة المزارع بشكل عام. كما أنها تدعم النظم البيئية المتوازنة القادرة على تحمل تقلبات المناخ وضغوط الآفات بشكل أفضل، وفق موقع “إس دي جي“.