
غذاء ومناخ
شهدت معظم المناطق الزراعية ارتفاعًا سريعًا في درجات الحرارة، وجفافًا، خلال الـ 50 عامًا الأخيرة، ما أثر سلبًا في إنتاجية المحاصيل الزراعية العالمية الرئيسة من القمح والذرة والشعير، التي كان من المفترض أن تحققها لولا تلك الظروف، وفقًا لدراسة جديدة بعنوان: “نصف قرن من تغير المناخ في المناطق الزراعية الرئيسة: الاتجاهات والتأثيرات والمفاجآت”.
وتأتي الدراسة، المنشورة في دورية “وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم”، في الوقت الذي عرّض فيه الحر والجفاف هذا العام إمدادات القمح للخطر في المناطق الرئيسة المنتجة للحبوب، بما في ذلك أجزاء من أوروبا والصين وروسيا.
وخلصت الدراسة إلى أن ازدياد درجات الحرارة والجفاف أثر سلبًا في إنتاجية 3 من المحاصيل الرئيسة الخمسة التي شملتها الدراسة.
ورغم ذلك، أشارت الدراسة إلى ارتفاع إنتاجية المحاصيل الزراعية عامة، حيث زادت الحبوب بنسبة كبيرة، خلال مدة الدراسة، بفضل التقدم التكنولوجي، وتحسين البذور، وسهولة الحصول على الأسمدة الصناعية.
وتشير اتجاهات بهذا الحجم إلى أنه حتى أبرد موسم زراعة في الوقت الحاضر، يكون أكثر دفئًا من أدفأ موسم كان سيحدث قبل 50 عامًا، وفقًا للدراسة التي اطلعت عليها منصة “غذاء ومناخ“.
نسبة خسارة المحاصيل الزراعية من ارتفاع الحرارة
تستخدم الدراسة مجموعات بيانات المناخ، والنمذجة، وإحصاءات المحاصيل الوطنية من منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة لتقييم إنتاج المحاصيل واتجاهات المناخ في الدول الرئيسية المنتجة للحبوب خلال المدة 1974-2023، بما في ذلك الأرجنتين، والبرازيل، وكندا، والصين، والاتحاد الأوروبي، وروسيا، والولايات المتحدة.
ويقيّم الباحثون ملاحظات المناخ، ثم يستخدمون نماذج المحاصيل لحساب إنتاجية المحاصيل الزراعية التي كانت ستكون عليها في ظل هذه التغيرات المناخية وبدونها.
وعلى سبيل المثال، “إذا ارتفعت درجة الحرارة درجة مئوية واحدة على مدى 50 عامًا، وتشير النماذج إلى أن هذه الدرجة تؤدي إلى خسارة 5% من المحصول، فسنحسب أن اتجاه الاحترار تسبب في خسارة 5%”، وفق الباحث الرئيس في الدراسة والأستاذ في جامعة ستانفورد، ديفيد لوبيل، لموقع “كاربون بريف“.

ووجد الباحثون أن إنتاجية 3 من المحاصيل الخمسة أقل مما كانت ستكون عليه لولا ارتفاع درجات الحرارة وتأثيرات المناخ الأخرى خلال السنوات الخمسين الماضية، إذ تراجعت بنسبة 12-14% للشعير، و8-12% للقمح، و4% للذرة.
وكانت الآثار في فول الصويا أقل وضوحًا نظرًا لوجود “اختلافات كبيرة” بين مصادر البيانات. لكن بيانات الحرارة وهطول الأمطار، تُظهران تأثيرًا سلبيًا في الغلة، يتراوح بين 2% و8%.
في حين لم تتوصل الدراسة إلى تأثير محدد في إنتاجية محصول الأرز، حيث أظهرت إحدى مجموعتي البيانات تأثيرًا إيجابيًا بنسبة 1% تقريبًا، بينما أظهرت الأخرى تأثيرًا سلبيًا بنسبة 3% تقريبًا.
ووجد الباحثون أن معظم المناطق شهدت “احترارًا سريعًا” خلال مدة الدراسة، حيث أصبح متوسط موسم زراعة المحاصيل الآن أكثر دفئًا من أكثر من 80% من مواسم الزراعة قبل 50 عامًا.
برودة وسط أميركا في النهار
وجد باحثو الدراسة أن أميركا وكندا استثناءٌ ارتفاع الحرارة، حيث تشهد معظم مناطق زراعة الذرة وفول الصويا في الولايات المتحدة مستوياتٍ أقل من الاحترار، مقارنةً بمناطق أخرى من العالم، و”انخفاضًا طفيفًا” في مناطق زراعة القمح في شمال السهول الكبرى ووسط كندا.
وشهد وسط الولايات المتحدة اتجاهًا نحو انخفاض درجات الحرارة خلال النهار في الصيف منذ منتصف القرن العشرين، وفقًا للإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي. وهناك العديد من النظريات وراء هذا “الانخفاض الكبير في درجات الحرارة”، والذي استمر على الرغم من تغير المناخ.
وقال باحث ما بعد الدكتوراه في كلية دارتموث، والذي يدرس آثار المناخ في المحاصيل، الدكتور كوري ليسك، إن هذه النتائج تتوافق مع تقديرات حديثة أخرى.
وأضاف: “هناك بعض الشكوك والحساسية لمواصفات النماذج هنا – ولكن من المرجح إلى حد ما أن تغير المناخ قد أدى إلى انخفاض إنتاجية المحاصيل الزراعية بالمتوسط العالمي.”
ووأضاف ليسك: “أن العيب الرئيس في الدراسة يكمن في تأخرها في إدراج بعض التطورات في فهم كيفية تأثير رطوبة التربة على المحاصيل.. تُعدّ تغيرات الرطوبة وتأثيرات ثاني أكسيد الكربون أكبر أوجه عدم اليقين الحالية بشأن تأثيرات تغير المناخ في المحاصيل في الماضي والمستقبل. هذه الورقة البحثية محدودة نوعًا ما في تعزيز فهم هذه الجوانب، ولكن من المفيد التوقف وتقييم الوضع.”
وفحصت الدراسة ما إذا كانت فوائد زيادات ثاني أكسيد الكربون خلال الخمسين عامًا الماضية تتجاوز الآثار السلبية لارتفاع مستويات غاز الدفيئة.
وأشارت إلى أنه يمكن لارتفاع مستويات ثاني أكسيد الكربون أن يعزز نمو النباتات في بعض المناطق في عملية تُسمى “التسميد بثاني أكسيد الكربون”. ومع ذلك، وجدت دراسة أجريت عام 2019 أن هذا “التخضير العالمي” قد يتعثر بسبب تزايد شح المياه.

وخلصت الدراسة إلى أن خسائر غلة القمح والذرة والشعير “تجاوزت على الأرجح” أي فوائد لزيادات ثاني أكسيد الكربون خلال الخمسين عامًا الماضية.
ووجد الباحثون أن العكس صحيح بالنسبة لفول الصويا والأرز، حيث تجاوز تأثيرهما الإيجابي الصافي 4% في محاصيلهما.
وقال الباحث الرئيس في الدراسة، في بيان صحفي: “إن علم المناخ قدم عملًا رائعًا في توقع التأثيرات العالمية في الحبوب الرئيسة، ويجب أن نواصل الاعتماد على هذا العلم لتوجيه قرارات السياسات”.
وأضاف أنه قد تكون هناك “نقاط ضعف” في المحاصيل المتخصصة، مثل البن والكاكاو والبرتقال والزيتون، والتي “لا تخضع لقدر كبير من النمذجة” مثل المحاصيل السلعية الرئيسة، مشيرًا إلى أن: “جميع هذه المحاصيل شهدت تحديات في العرض وارتفاعًا في الأسعار. وهذه الأمور أقل أهمية للأمن الغذائي، ولكنها قد تكون أكثر جاذبية للمستهلكين الذين قد لا يهتمون بتغير المناخ لولا ذلك”.