تدهور أكثر من 60% من التربة الزراعية الأوروبية بسبب الزراعة المكثفة

غذاء ومناخ

تدهور أكثر من 60% من التربة الزراعية الأوروبية، بسبب الزراعة المكثفة، في حين وصل التدهور إلى ما يقارب من 40% من تربة المملكة المتحدة، وفق تقرير حديث.

ويُشير تقرير حديث صادر عن مبادرة “إنقاذ التربة” إلى أن عقودًا من الميكنة المُكثفة والأسمدة والمبيدات الحشرية، قد أضعفت بنية التربة وخصوبتها، وفقًا لتقرير اطلعت عليه منصة “غذاء ومناخ“.

ويؤدي خسارة التربة لصحتها إلى ضعف قدرتها على العمل كإسفنجة، ما يُفاقم الفيضانات والجفاف بشكل مُتسارع.

ويُحذّر مُتحدث باسم مبادرة “إنقاذ التربة” من أن “أوروبا والمملكة المتحدة تشهدان ظروفًا قاسية – حقول جافة شهرًا، ومدنًا مُغمورة في الشهر التالي، فلم تعد التربة المُتدهورة قادرة على تخزين المياه أو الكربون بفعالية، ما يُفاقم آثار المناخ في إنتاج الغذاء”.

ففي 2022، تأثر ثلث سكان الاتحاد الأوروبي و40% من أراضيه بندرة المياه، بينما شهدت إسبانيا وإيطاليا وألمانيا فيضانات كارثية في عامي 2023 و2024، وفقًا للتقرير. وانخفضت مستويات المياه الجوفية بمقدار الثلث في فرنسا، ومن المرجح أن تشهد المملكة المتحدة جفافًا هذا العام على الرغم من هطول أمطار قياسية العام الماضي.

خسائر الزراعة المكثفة

أدت الممارسات الزراعية الحديثة إلى تسريع فقدان التربة بشكل كبير. ويفيد الخبراء بأن الزراعة المكثفة جردت التربة من المواد العضوية والحياة، مما جعلها عرضة للتآكل والضغط.

وقد أدت عقود من الحرث واستخدام المواد الكيميائية والزراعة الأحادية إلى استنزاف الكائنات الحية التي تحافظ على تماسك التربة وتعيد تدوير العناصر الغذائية، وفقًا لصحيفة “الغارديان”.

فيضانات إيطاليا – الصورة من اغريلاند

وكما أشار أحد التحليلات، “لا شيء أهم للبشر من التربة” – فهي “مستودع هائل للتنوع البيولوجي يدعم إمداداتنا الغذائية”. ومع ذلك، حذر التحليل نفسه من أن “نسبة كبيرة من سطح الأرض قد تدهورت نتيجة للأنشطة البشرية”، وخاصة الزراعة المكثفة. في أوروبا، يُظهر هذا الاتجاه أن جريان المغذيات وفقدان التربة السطحية يؤديان إلى انخفاض الغلة وزيادة الاعتماد على الأسمدة والري. وتشمل الآثار الرئيسة للتربة المتدهورة ما يلي:

اختلال توازن المياه، حيث تعمل التربة السليمة كالإسفنجة وتحتفظ بمياه الأمطار. وتسمح التربة المتدهورة بجريان المياه، ما يتسبب في حدوث فيضانات، ثم تجف تمامًا في الجفاف.

انبعاث الكربون: تخزن التربة كميات هائلة من الكربون. وعندما تتحلل التربة، تطلق ثاني أكسيد الكربون، مما يُقوّض جهود التخفيف من آثار تغير المناخ.

مخاطر الأمن الغذائي: بما أن 95% من الغذاء في الاتحاد الأوروبي يعتمد على التربة الزراعية الأوروبية، فإن فقدان الخصوبة والمحتوى العضوي يُهدد بشكل مباشر المحاصيل والتغذية.

فقدان التنوع البيولوجي: تنهار النظم البيئية الغنية للتربة، التي تُعيد تدوير العناصر الغذائية وتكافح الآفات، حيث يُشير العلماء إلى أن كائنات التربة “بعيدة عن الأنظار… قليلٌ من الأشياء أهم منها” لإنتاج الغذاء.

ودعت منظمة “أنقذوا التربة”، التي تُناصر ممارسات الزراعة التجديدية، إلى جعل استصلاح التربة أولوية رئيسة في برامج المناخ، وإلى تغييرات في السياسات الزراعية والدعم المالي لمكافأتها.

نتائج انهيار التربة الزراعية الأوروبية

أبرز صيف أوروبا لعام 2025 الظواهر المتطرفة الجديدة. فقد أدت درجات الحرارة القياسية وندرة الأمطار الشتوية إلى جفاف العديد من المناطق؛ في المقابل، تسببت العواصف المفاجئة في فيضانات عارمة في بعض المناطق.

وبحلول مارس/آذار 2025، كانت معظم مناطق وسط أوروبا جافة بشكل غير طبيعي. وكان هذا الشهر في ألمانيا الأكثر جفافًا على الإطلاق، وبحلول منتصف أبريل/نيسان، كان نهر الراين في كولونيا يتدفق بنحو نصف مستواه الطبيعي.

كما تسببت الأمطار الغزيرة في فيضانات مفاجئة عنيفة. وفي أوائل مايو/أيار، جلبت العواصف في فالنسيا (إسبانيا) بردًا وأمطارًا غزيرة، ما أدى إلى غمر الحقول والمدن بسرعة.

وتؤكد هذه الظواهر المتطرفة على الحلقة المفرغة: فالتربة المتدهورة لا تستطيع امتصاص الأمطار الغزيرة، فتتدفق المياه على شكل فيضانات؛ لكن هذه التربة نفسها لا تحتفظ إلا بالقليل من الرطوبة وتتحول إلى غبار في أوقات الجفاف. وأشارت وكالة المناخ التابعة للاتحاد الأوروبي إلى أن “ارتفاع درجات الحرارة عن المعدلات الطبيعية وانخفاض معدلات هطول الأمطار” يُرهقان الأنهار والمحاصيل في جميع أنحاء أوروبا، وفق الموقع الإلكتروني للمفوضية الأوروبية.

 وكما يُؤكد أحد التقارير الزراعية، فإن صحة التربة أصبحت الآن “ضرورية للصمود في وجه آثار تغير المناخ، مثل الفيضانات والجفاف”.

الصورة من فارم اونلاين

تُعرّض التربة الفقيرة المحاصيل للخطر وترفع تكاليف إنتاج الغذاء. فالتربة الفقيرة بالمغذيات تُقلّص إنتاجيتها، ما يتطلب المزيد من الأسمدة ومدخلات الطاقة، وهو ما يفاقم بدوره تآكل التربة.

ويُحذّر تقرير “إنقاذ التربة” من أن انهيار التربة الزراعية الأوروبية قد يُؤدي إلى نقص الغذاء وارتفاع الأسعار في جميع أنحاء القارة العجوز مع تأثير الظواهر المناخية المتطرفة في المحاصيل.

ويشهد المزارعون ضعفًا في نمو الحبوب والخضراوات في المناطق التي تتراجع فيها رطوبة باطن الأرض. ويُشير تحقيق برلماني بريطاني إلى أن تدهور التربة يرتبط بفقدان الكربون، ما يُكلف الاقتصاد مليارات الدولارات، ويُهدد التنوع البيولوجي وموارد المياه وخصوبة التربة. باختصار، يُؤدي فقدان التربة السطحية الرقيقة تدريجيًا إلى دورة من انخفاض الإنتاجية. ويُذكر أحد الخبراء بأن التربة تتشكل على مدى آلاف السنين؛ وبمجرد فقدانها، يستغرق الأمر أجيالًا لاستبدالها.

ودعت مبادرة “إنقاذ التربة” إلى جعل استصلاح التربة أولوية في سياسات المناخ والزراعة، بما في ذلك تقديم حوافز للممارسات التجديدية. وبالمثل، حثّت الجماعات البيئية البريطانية الوزراء على منح التربة “الحماية نفسها التي يوفرها الماء والهواء”، ودعم الزراعة الصديقة للبيئة بدلاً من الأساليب الكيميائية المكثفة.

موضوعات ذات صلة

  • يونيو 7, 2025
  • 14 views
صناعة الأغذية والزراعة تحتاج زيادة التمويل 12 ضعفا  لتحقيق الأهداف المناخية

غذاء ومناخ خلص تقرير تحليلي حديث إلى أن صناعة الأغذية والزراعة تحتاج تمويلًا يزيد بمقدار 12 ضعفًا عن المستويات الحالية، لتقليل أثرها البيئي بما يتماشى مع أهداف المناخ العالمية، وفق…

Read more

  • يونيو 6, 2025
  • 21 views
انخفاض مؤشر أسعار الغذاء العالمي في مايو

غذاء ومناخ انخفض مؤشر أسعار الغذاء العالمي في شهر مايو/أيار الماضي، حيث بلغ متوسط ​​مؤشر منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) لأسعار الغذاء 127.7 نقطة، بهبوط نقطة واحدة (0.8%) عن أبريل/نيسان الماضي،…

Read more

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *