
غذاء ومناخ
يصارع الاستزراع السمكي في مصر عدد من تهديدات تغير المناخ، بما في ذلك الانخفاض الكبير في تدفق نهر النيل، وارتفاع مستوى سطح البحر مع خطر الفيضانات، وتسرب المياه المالحة، وفقدان المزارع الإنتاجية، إضافة إلى ارتفاع درجات الحرارة وانخفاض إمدادات المياه، وفقًا لدراسة حديثة.
ويأتي ذلك وسط مشكلات أخرى تتعلق بارتفاع تكاليف الغذاء والمعيشة وانخفاض إنتاجية الأراضي على طول الساحل.
أجرى الدراسة قسم الطاقة والتكنولوجيا، بالجامعة السويدية للعلوم الزراعية، ومعهد الدراسات العليا والبحوث بجامعة الإسكندرية في مصر، وكلية الزراعة بالجامعة نفسها.
وتهدف الدراسة، التي اطلعت عليها منصة “غذاء ومناخ“، إلى تسليط الضوء على آثار تغير المناخ في أنظمة الاستزراع السمكي في مصر، مع مراعاة ركائز الاستدامة الثلاثة: البيئية والاقتصادية والاجتماعية.
قطاع الاستزراع السمكي في مصر الأكبر في أفريقيا
تصّدر قطاع الاستزراع السمكي في مصر دول أفريقيا، واحتل المركز الثالث عالميًا في إنتاج سمك البلطي، والسادس عام 2022.
ويتجاوز إجمالي إنتاج الاستزراع السمكي في مصر 1.6 مليون طن متري، وتُقدر قيمته بـ 3.5 مليار دولار. كما يُعد أكبر مصدر منفرد لإمدادات الأسماك في الدولة الأفريقية، إذ يُمثل ما يقارب من 80% من إجمالي إنتاج الأسماك، ما يعني أنه مساهمًا رئيسًا في تحقيق الأمن الغذائي، ويعزز الاقتصاد الوطني.
وعلى الرغم من أن الاستزراع السمكي في مصر يُمارس في كل من المياه العذبة والبحرية، إلا أنه في المياه العذبة أكثر نجاحًا؛ لأن غالبية الاستزراع البحري لا يزال يعتمد على جمع الذريعة من البرية، والأنواع الرئيسة المستزرعة هي القاروص الأوروبي، والدنيس الذهبي، وسمك موسى، والميجر، والروبيان.
من ناحية أخرى، تُزرع في مصر 14 نوعًا مختلفًا من الأسماك الزعنفية ونوعين من القشريات، 10 منها محلية و6 أنواع مُستوردة.

ويُعد البلطي النيلي من الأسماك المفضلة على نطاق واسع في مصر، ويسيطر على 75.5% من إنتاج الاستزراع السمكي الوطني، وبلغ 9.5 مليون طن في 2020، ما يضع مصر في مركز ثالث أكبر منتج عالمي بعد الصين وإندونيسيا.
أما نسبة الـ 24.5% المتبقية من إنتاج الاستزراع المائي المصري فتتمثل بشكل رئيس في أسماك البوري، والكارب، وسمك السلور، وغيرها، وفقًا لمنظمة الأغذية والزراعة (الفاو) عام 2022.
وعلى الرغم من ارتفاع إنتاج الاستزراع السمكي، لا تُصدر مصر مأكولاتها البحرية نظرًا لارتفاع معدل الاستهلاك المحلي، إذ أن الأسماك مكونًا تقليديًا في النظام الغذائي المصري منذ عهد الفراعنة القدماء، وأصبحت مؤخرًا المصدر الرئيسي للبروتين الحيواني للفئات ذات الدخل المحدود.
وقد تضاعف استهلاك الفرد من الأسماك ثلاث مرات تقريبًا خلال العقود الثلاثة الماضية. في الوقت نفسه، تُعد مصر من أكثر الدول كثافة سكانية في أفريقيا، حيث يتجاوز إجمالي عدد سكانها 112 مليون نسمة.
توافر الموارد المائية
أصبح توافر الموارد المائية من أهم القضايا الاقتصادية والاجتماعية في هذا القرن، وفقًا للدراسة. وتقع مصر في منطقة جغرافية تتراوح بين القاحلة وشبه القاحلة. ويُعد نهر النيل المصدر الرئيس للمياه، حيث يوفر نحو 95% من إمدادات المياه للدولة. وتؤثر محدودية الموارد المائية المصرية في كمية ونوعية المياه المتاحة لتربية الأسماك.
ويُحظر استخدام مياه النيل في تربية الأحياء المائية؛ إذ تعتمد مزارع الأسماك في الغالب على البحيرات المصرية (معظمها مياه قليلة الملوحة)، أو في بعض الحالات الأخرى، يعتمد المزارعون على مياه جوفية وأنظمة صرف زراعية رديئة الجودة. ويؤدي تدني جودة المياه إلى انخفاض إنتاج الأسماك، ويزيد من تفشي الأمراض. كما أن سحب المياه من البحيرات لتربية الأسماك يمكن أن يضغط على النظام البيئي للبحيرات، كما هو الحال في بحيرات وادي الريان بمحافظة الفيوم. “لذلك، من المهم إيلاء المزيد من الاهتمام لكيفية تأثير توسع تربية الأحياء المائية في مصر على مصايد الأسماك الطبيعية وسحب المياه”، وفق الدراسة.
ويمكن أن تُسبب آثار تغير المناخ تغيرات في توافر المياه، وانخفاض جودتها، وتسرب المياه المالحة نتيجة ارتفاع منسوب مياه البحر، وملوحة إمدادات المياه الجوفية، ما قد يُهدد تربية الأحياء المائية في المياه العذبة الداخلية.
وتعتمد أنشطة تربية الأحياء المائية في المناطق الصحراوية على المياه الجوفية، حيث تعمل 20 مزرعة تجارية لتربية الأحياء المائية في المناطق الصحراوية بمصر بمساحة إجمالية تبلغ 893 هكتارًا، وتُنتج نحو 13 ألف طن من أسماك البلطي سنويًا.
في الوقت نفسه، يُمكن أن تؤدي درجات الحرارة المرتفعة الناجمة عن تغير المناخ إلى انخفاض مستويات الأكسجين المذاب، وزيادة الملوحة، إضافة إلى النضج في سن مبكرة، وارتفاع خطر انتشار الأمراض، ونفوق الأسماك، وتغيرات في نسبة جنس الأسماك، واضطراب موسم التكاثر، وبالتالي انخفاض إنتاج الأسماك.

وفي السنوات الأخيرة، توسعت غالبية مزارع الأسماك المصرية القائمة بسرعة على حساب الأراضي الرطبة والكثبان الرملية الساحلية في منطقة دلتا النيل. وتتركز هذه المزارع حول بحيرات الدلتا: البرلس (31%)، والمنزلة (44%)، وإدكو (15%)، إضافة إلى المنطقة الواقعة بين جمصة ودمياط (10%). وبلغ إجمالي إنتاجها 200 ألف طن متري في عام 2020.
وتتآكل دلتا النيل، إذ تُشير دراسات سابقة إلى تراجع في خط الساحل، ليصل إلى نحو 21 مترًا سنويًا في بعض المناطق، بسبب نقص الرواسب بعد بناء السد العالي في أسوان في ستينيات القرن الماضي.
ومن المتوقع أيضًا أن يتسارع تآكل التربة، مما يؤدي إلى فقدان مساحات كبيرة من أحواض الاستزراع المائي في الأراضي المنخفضة نظرًا لتعرضها للفيضانات الناجمة عن ارتفاع منسوب مياه البحر، مع ما يترتب على ذلك من تأثير في مزارع الأسماك في الدلتا نتيجةً لانخفاض مستوى دلتا النيل.
وأفاد باحثون عام 2020، أنه على الرغم من زيادة كمية إنتاج الأسماك في مصر من نحو 1.45 مليون طن عام 2013 إلى 1.82% مليون طن عام 2017، بزيادة قدرها 25.0%، فقد ارتفع سعر الأسماك من 2 دولار للكيلوغرام إلى حوالي 3 دولارات، ليصل إلى 2.53 دولار، ويُعزى هذا الارتفاع إلى ارتفاع تكاليف الطاقة والأعلاف، مما يؤثر بشكل مباشر في المستهلك المحلي، وفقًا للدراسة المنشورة في “فرونتير”.