
غذاء ومناخ
أدى نشاط الرياح وأنماط هطول الأمطار إلى تسهيل حركة الجراد الصحراوي في شمال غرب أفريقيا، مما أثار القلق مع اقتراب موسم التكاثر الربيعي، وتهديد الحشرة العابرة للحدود طعام آلاف الأشخاص.
ولذلك، تحث منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) دول شمال غرب أفريقيا على تعزيز الرصد واتخاذ تدابير مكافحة مبكرة، مع انتقال مجموعات الجراد الصحراوي البالغ وأسرابه الصغيرة – القادمة من منطقة الساحل – إلى جنوب الصحراء الكبرى في المنطقة الغربية.
واشتدت وتيرة نشاط الجراد من أواخر فبراير/شباط وحتى مارس/آذار، حيث وصلت مجموعات من الجراد البالغ وأسرابه الصغيرة إلى وسط الجزائر وغرب ليبيا وجنوب تونس. وبفضل الظروف البيئية المواتية، شهد موسم التكاثر الربيعي الحالي غزوات أكبر بكثير من المعتاد.
وقد سهلت الرياح وأنماط هطول الأمطار حركة الجراد الصحراوي شمالًا؛ من جنوب الجزائر وشمال مالي والنيجر وتشاد. في هذه المناطق الساحلية، تكاثرت مجموعات صغيرة من الجراد من أغسطس/آب حتى أوائل مارس/آذار، وفقًا لبيان تلقته منصة “غذاء ومناخ” اليوم، الثلاثاء 29 أبريل/نيسان 2025، من (الفاو).
ودفع تدفق الجراد إلى شمال غرب أفريقيا – وخاصةً شمال وجنوب جبال الهقار في الجزائر وفزان جنوب غرب ليبيا – (الفاو) إلى تصنيف الوضع في المنطقة الغربية على أنه حالة حذر، ما يتطلب مزيدًا من اليقظة.
زيادة المخاطر على المحاصيل والمراعي
قال مسؤول رصد الجراد والتنبؤ به في (الفاو)، سيريل بيو: “تُعدّ عمليات المسح والمكافحة ملحة بشكل خاص في المواقع التي هيأت فيها أمطار الشتاء وأوائل الربيع ظروفًا مناسبة لتكاثره”.
وأضاف: “أشارت توقعات الفاو منذ يناير/كانون الثاني إلى بدء الفقس وتكوين مجموعات الجراد هذا الشهر في المناطق المتضررة. وإذا تُركت هذه المجموعات دون رادع، فقد تتطور إلى أسراب صغيرة من مايو/آيار إلى يونيو/حزيران، ما يزيد من المخاطر على المحاصيل والمراعي”.

توصي (الفاو) بإجراء مسوحات أرضية مكثفة في المناطق الرئيسة التي يُحتمل تكاثر الجراد فيها، والتي تمتد من جنوب جبال الأطلس في المغرب إلى الصحراء الكبرى في الجزائر، وتمتد إلى جنوب تونس وغرب ليبيا. وقد شهدت هذه المناطق هطول أمطار كافية لدعم نمو النباتات، ما هيأ ظروفًا مواتية لنمو الجراد.
ويظل الجراد الصحراوي أحد أكثر الآفات المهاجرة تدميرًا في العالم. ويمكن لسرب واحد أن يغطي مساحة تتراوح بين كيلومتر مربع واحد وعدة مئات من الكيلومترات المربعة. ويمكن أن يحتوي كيلومتر مربع واحد من السرب على ما يصل إلى 80 مليون حشرة بالغة، مع القدرة على استهلاك كمية الطعام نفسها التي يستهلكها 35 ألف شخص في يوم واحد.
غزوات الجراد الصحراوي
تُشكل الآفات العابرة للحدود تهديدًا كبيرًا للإنتاج الزراعي ودخل الأسر، وتُعدّ غزوات الجراد الصحراوي من أكثرها تدميرًا. وعلى الرغم من جهود المكافحة المستمرة، مثل المراقبة والتدخلات الكيميائية، فإن الانتشار السريع للجراد في مناطق تكاثره غير التقليدية ومحدودية الاستعداد يُبرزان الحاجة إلى إدارة متكاملة للجراد الصحراوي، وفقًا لدراسة حديثة صادرة عن قسم الاقتصاد الزراعي في جامعة نيروبي بدولة كينيا.
وتؤثر الآفات العابرة للحدود (الآفات المهاجرة التي تغزو وتؤثر في مناطق جغرافية واسعة)، بما في ذلك الجراد الصحراوي ودودة الحشد الخريفي، سلبًا في الموارد الزراعية الرعوية وسبل العيش في جميع أنحاء العالم، مُسببةً خسائر تُقدر بنحو 65.58 مليار دولار سنويًا من حيث خسائر الإنتاج وتكاليف المكافحة، وفقًا للدراسة.
وتشير الاتجاهات الحديثة إلى أن أفريقيا وجنوب الصحراء الكبرى وجنوب آسيا لديها أعلى درجة في مؤشر الجوع العالمي وهي 27. وهذا مرتفع مقارنةً بثاني أعلى درجة في مؤشر الجوع العالمي بغرب آسيا وشمال أفريقيا (11.9)، وأميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي (8.6)، وشرق وجنوب شرق آسيا (8.3)، ودرجة 6.1 في أوروبا وآسيا الوسطى.
وتشمل العوامل الرئيسة لتزايد انعدام الأمن الغذائي: تقلبات المناخ والصراعات والانكماش الاقتصادي. وفي هذا السياق، يرتبط تقلب المناخ بالآثار غير المتوقعة والمدمرة لغزوات الجراد الصحراوي. لذلك، من الضروري إدارة العواقب الوخيمة لغزوات هذه الحشرة على المزارع وسبل العيش بفعالية.
وعلى سبيل المثال، نجم أحدث غزو للجراد الصحراوي خلال 2019-2020 عن هطول أمطار غزيرة في مناطق تكاثره بشبه الجزيرة العربية، متنقلًا عبر اليمن وإريتريا والصومال.
وقد أسهمت الرياح القوية والأمطار الغزيرة في زيادة تكاثر الجراد، ودفعت الجراد الصحراوي البالغ إلى إثيوبيا وكينيا في أواخر عام 2019، ثم إلى أوغندا وتنزانيا وجنوب السودان. وقد أثرت هذه الغزوات في ملايين سبل العيش في جنوب آسيا وشرق أفريقيا. فعلى سبيل المثال، قُدرت الخسائر الزراعية في باكستان بنحو 1.2 مليار دولار.
وتسبب غزو الجراد الصحراوي في إثيوبيا في خسارة تقدر بـ 197.16 ألف هكتارًا من الأراضي الزراعية، و1.35 مليون هكتار من المراعي، وخسارة تقدر بـ 356.29 ألف طن متري من الحبوب، ما أثر في ما يقارب من 806.4 ألف أسرة زراعية، وفق (الفاو) عام 2020.
وفي كينيا، تأثر ما يُقدر بـ 30.21 ألف هكتار من الأراضي الزراعية و579.79 ألف هكتار من المراعي بغزو الجراد الصحراوي. علاوة على ذلك، قدّرت الوكالة الأميركية للتنمية الدولية في 2020، الخسائر الاقتصادية التي تكبدتها منطقة شرق أفريقيا جراء غزو الجراد الصحراوي بـ 8.5 مليار دولار.

واعتمدت جهود مكافحة الجراد الصحراوي على استراتيجية متعددة الجوانب بقيادة (الفاو) بالتعاون مع شركاء متعددي الأطراف آخرين. ومع ذلك، أثار الاعتماد الكبير على المعالجات الكيميائية مخاوف بشأن الآثار الضارة المحتملة على البيئة وصحة الإنسان.
وتتضمن طريقة بديلة أخرى لمكافحة الجراد استخدام المبيدات الحيوية، مثل الميتارهيزيوم. على الرغم من أن المبيدات الحيوية أقل ضررًا، إلا أن وقت تفاعلها بطيء ونطاقها ضيق، وبالتالي فإن تطويرها مكلف، وفق الدراسة المنشورة في “فرونتير“.