تغير المناخ يهدد مذاق الطعام الذي نعرفه.. زيادة مرارة الخس وحلاوة الطماطم

غذاء ومناخ

تُحدث أزمة تغير المناخ تغييرًا للظروف البيئية التي تُحدّد مذاق الطعام، وتهدد المذاقات المألوفة وتقاليد الطهي. على سبيل المثال، تزيد الحرارة المرتفعة من نسبة السكر في الطماطم، ما يجعلها أكثر حلاوة، بينما ترفع هذه الحرارة من مرارة الخس، لكن الأهم أن تلك التغيرات تؤثر في الأطعمة التراثية.

ويتشكل مذاق الطعام من خلال تفاعل العناصر الكيميائية، ومتعددة الحواس، والعطرية، حيث تتفاعل الخلايا العصبية في الفم مع المركبات الكيميائية للطعام. يُشكّل هذا التفاعل، إلى جانب أحاسيس مثل الملمس ودرجة الحرارة والرائحة،  النكهة، وفقًا لتقرير اطلعت عليه منصة “غذاء ومناخ“.

وأوضح كتاب “قائمة طعامنا المتغيرة”، الصادر قبل سنوات، أن العوامل البيئية، مثل درجة الحرارة والتربة وهطول الأمطار والشمس والآفات، تُشكّل المركبات الكيميائية في الطعام. ويستكشف الكتاب كيف يؤثر تغير المناخ في كل طبق من الوجبة.

ومع تغير المناخ، تتحول الظروف البيئية أيضًا، كما قال الأستاذ الفخري في جامعة كورنيل العريقة في ولاية نيويورك الأميركية، ومؤلف كتاب “قائمة طعامنا المتغيرة”، مايكل هوفمان.

أمثلة على تغيرات نكهة الطعام

تزيد درجات الحرارة المرتفعة من مستويات السكر في الطماطم، ما يجعلها أكثر حلاوة. وعلى العكس، ترفع الظروف الدافئة من اللاكتونات في الخس، ما يجعله أكثر مرارة، كما توضح أورورا دياز من معهد أراغون للأغذية الزراعية. ويوضح دانيال جاكسون من جامعة جورجيا، أن جفاف التربة يجعل البصل لاذعًا وكبريتيًا أكثر.

ويعتمد مذاق التوت على السكر والأحماض والمركبات العطرية، كما يقول مارفن بريتس، الأستاذ بجامعة كورنيل. “إذا اختل أيٌّ منها، فلن يكون طعم الفاكهة جيدًا”. ويوضح بريتس أن مستويات السكر شديدة الحساسية للطقس، حيث تخفّ في المطر وتزداد في ضوء الشمس.

نوع من الجبن البولندي التراثي هو أوسيبيك – الصورة من أطلس تاست

كما أن المنتجات الحيوانية، مثل الجبن، حساسة لتغير المناخ. ففي عام 2012، تسبب الجفاف والحرارة الشديدان في ولاية ويسكونسن في خسائر فادحة في المحاصيل، وفقًا لتقارير مكتب ويسكونسن للصحة البيئية والمهنية، ما أدى إلى تغيير كبير في نكهة الجبن المحلي، وفقًا لكاثرين تيغن دي ماستر، الأستاذة المشاركة في جامعة كاليفورنيا، بيركلي.

ونظرًا لمحدودية الوصول إلى العشب الطازج لإطعام أبقارهم، فإن مزارعي الألبان لجأوا إلى التبن. وقد أدى هذا التغيير في النظام الغذائي إلى تعديل تركيبة الحليب، ما أثر بشكل مباشر في نكهة الجبن وجرده من “نكهة المكان” المميزة التي تُميز أصناف الجبن الحرفية في ويسكونسن – وهو تعبير يصفه صانعو الجبن المحليون بأنه يعكس البيئة الفريدة لمنطقة دريفتليس والمعرفة المحلية المتوارثة عبر الأجيال في صناعة الجبن، وفق دي ماستر.

البنية التحتية الثقافية

مع تغير المناخ وتغير مذاق الطعام، “قد نواجه دمارًا كارثيًا، ليس فقط في البنية التحتية المادية، بل أيضًا في البنية التحتية الثقافية”، كما يقول جوناثان كيتس، الفنان والكاتب والفيلسوف التجريبي.

وعلى سبيل المثال، يتشكل الطعم الفريد لعسل يونان البري من رحيق النباتات الجبلية البرية. ويشير  دليل “سفينة التذوق”للأغذية التراثية المهددة بالانقراض، إلى أن ارتفاع درجات الحرارة وعدم انتظام هطول الأمطار يخفضان تنوع الرحيق، ويغيران رائحة العسل وتركيبته. هذه التغييرات تُضعف النكهة، ما يُهدد تقاليد الحصاد التي تعود إلى قرون مضت؛ والتي مارسها شعب يي في المنطقة.

وبالمثل، يُهدد ارتفاع درجات الحرارة مكونات رائحة ونكهة الملفوف الكوري، وقد يؤدي في النهاية إلى تدمير المحصول، وفقًا للمعهد الوطني لعلوم المحاصيل. يُعدّ الملفوف الكوري المكون الرئيس في طبق الكيمتشي، الذي تصفه مجلة الأطعمة العرقية بأنه “هوية الشعب الكوري وفخره”، و”لا يُمكننا الاستغناء عنه”، كما يقول مزارع الملفوف الكوري كيم سي-جاب، البالغ من العمر 71 عامًا.

ويعود تاريخ طبق “أولا بودريدا”، وهو طبق إسباني تقليدي، إلى عام 1570، عندما ظهر في أحد “أهم كتب الطبخ في البلاط في العصر الحديث المبكر”، وفقًا لمجلة “فنون الطهي في إسبانيا”. ويقول كيتس إن الفاصوليا الحمراء الإسبانية، وهي مكون رئيس في طبق “أولا بودريدا”، قد لا تنمو بشكل مستدام في إسبانيا خلال الخمسين عامًا المقبلة.

وتوضح منظمة أودوبون فيرمونت أن صناعة سكر القيقب، وهي عملية حيوية لمجتمعات السكان الأصليين لآلاف السنين، مُهددة بسبب ارتفاع درجات الحرارة الذي يُؤدي إلى تدهور التربة وتقليص نطاق أشجار القيقب. ونتيجة لذلك، يُشير دي ماستر إلى أن شراب القيقب قد يُصبح أكثر ندرة وأقل جودة.

شجرة القيقب – الصورة من سبورس

ومع تهديد المناخ للمحاصيل والممارسات المحلية، تُساعد الحلول المبتكرة في الحفاظ على النكهات المألوفة والتراث الطهوي. على سبيل المثال، يُجري مارفن بريتس، الأستاذ بجامعة كورنيل، تجارب على زراعة التوت تحت أغطية بلاستيكية لحماية نكهاته من تقلبات الطقس.

وأشار دي ماستر إلى أن منتجي الجبن البولنديين يُعيدون تعريف تقاليدهم الغذائية للتكيف مع التغيرات المناخية. يُصنع جبن أوسيبيك، وهو مدخن يعود أصله إلى الجبال البولندية، تقليديًا من حليب الأغنام. ولتلبية الطلب المتزايد في ظل تغير المناخ مع الحفاظ على الأهمية الثقافية للجبن، يُنتج الآن أوسيبيك باستخدام حليب البقر الأحمر البولندي التقليدي وحليب الأغنام، كما يوضح دي ماستر.

ويهدف مشروع “تذوق الغد”، وهو مشروع تقوده جامعة أريزونا وشارك في تأسيسه جوناثان كيتس، الفنان والكاتب والفيلسوف التجريبي، إلى الحفاظ على التراث الطهوي من خلال دعوة المستخدمين لمشاركة الأطعمة التقليدية المصنوعة من مكونات محلية، بما في ذلك وصف طريقة التحضير والنكهات. ويمكن للآخرين استكشاف هذه المشاركات لتقييم قدرتهم على زراعة وتكييف المكونات لوصفاتهم التقليدية الخاصة.

نُشر هذا التقرير على “فود تانك“.

موضوعات ذات صلة

  • يونيو 7, 2025
  • 14 views
صناعة الأغذية والزراعة تحتاج زيادة التمويل 12 ضعفا  لتحقيق الأهداف المناخية

غذاء ومناخ خلص تقرير تحليلي حديث إلى أن صناعة الأغذية والزراعة تحتاج تمويلًا يزيد بمقدار 12 ضعفًا عن المستويات الحالية، لتقليل أثرها البيئي بما يتماشى مع أهداف المناخ العالمية، وفق…

Read more

  • يونيو 4, 2025
  • 28 views
قش الأرز وسيلة مزارعي نيبال للحفاظ على المياه في التربة من الجفاف

غذاء ومناخ نجح عدد من مزارعي نيبال من الاستفادة من قش الأرز لمقاومة الجفاف وخفض استهلاك المياه في الأرض الزراعية، ما انعكس إيجابًا على إيرادات تلك المناطق المهمشة. ويأتي ذلك…

Read more

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *