
غذاء ومناخ
يؤثر تغير المناخ وارتفاع الحرارة سلبًا في تصنيع منتجات الشوكولاتة في شركات لم يكن سيعرفها أحد بدون هذه المنتجات مثل مارس وهيرشي، فقد بدأت اتجاهًا لخفض أو الاستغناء عن الكاكاو في الحلوى المصنعة لديها.
وكشف تقريران حديثان، أن الاحتباس الحراري؛ الناجم عن حرق النفط والفحم والغاز بصورة رئيسة، يؤدي لجفاف الكاكاو في مراحل نموه الأولى، ما يقفز بأسعار الشوكولاتة.
وتمثل 4 دول فقط في غرب أفريقيا مصدرًا رئيسًا لإنتاج ونمو الكاكاو، وهو نشاط تبلغ قيمته أكثر من 100 مليار دولار. وفي هذه الدول الاستوائية، تُجفف تلك الحبوب، وتُحمص وتُعالج؛ فتتحول إلى منتجات الشوكولاتة التي يعشقها معظم سكان العالم، وفق تقرير اطلعت عليه منصة “غذاء ومناخ“.
منتجات الشوكولاتة أكبر تكلفة
قالت نائبة رئيس قسم العلوم في منظمة “كلايمت سنترال” غير الربحية، كريستينا دال، والتي كتبت أحد التقريرين: “إن منتجات الشوكولاتة، وهي إحدى الأطعمة التي يحبها العالم أكثر من غيرها، معرضة للخطر بسبب تغير المناخ. آمل أن يؤدي سماع أن النشاط البشري يجعل نمو الكاكاو أكثر صعوبة إلى دفع الناس إلى التوقف وإعطاء الأولوية لإجراءات الحد من تغير المناخ”.
ويُزرع نحو 70% من الكاكاو في العالم في غرب أفريقيا. وتعد كوت ديفوار وغانا والكاميرون ونيجيريا أكبر المنتجين. وتُنتج الـ 30% المتبقية في دول تتمتع بمناخات مماثلة، مثل إندونيسيا والإكوادور.
وتنمو الأشجار بشكل أفضل في ظروف الغابات المطيرة ذات الرطوبة العالية والأمطار الوفيرة والتربة الغنية بالنيتروجين وحواجز الرياح الطبيعية. والتعرض لدرجات حرارة أعلى من 89.6 درجة فهرنهايت، يؤدي إلى إجهاد مائي، ويعيق نمو النباتات، ويؤدي إلى تآكل جودة وكمية البذور التي تنتجها الأشجار.
وفي العام الماضي (2024)، أضاف الاحترار العالمي ما لا يقل عن 6 أسابيع من الحرارة الزائدة عن المستوى المطلوب؛ في ما يقارب من ثلثي مناطق إنتاج الكاكاو في كوت ديفوار وغانا والكاميرون ونيجيريا، ما يسهم -على الأرجح- في حصاد كارثي، وفقًا لتقرير “كليمت سنترال”.
ووجد الباحثون أنه بين عامي 2015 و 2024، أدى تغير المناخ إلى زيادة عدد الأيام التي تشهد فيها كل دولة نطاقات درجات حرارة أعلى من المثالية لنمو الكاكاو بمعدل 2-4 أسابيع سنويًا. جاءت معظم تلك الأيام الأكثر سخونة خلال دورة المحصول الرئيسة، عندما تزهر النباتات وتنتج الحبوب.
كما يعمل الاحترار على تغيير أنماط الأمطار، وتسريع الجفاف، وتسهيل انتشار الأمراض المدمرة مثل تعفن القرون، والإسهام في تدهور التربة.

وتوصلت دراسة حديثة ثانية إلى أن انخفاض معدلات التلقيح وارتفاع درجات الحرارة عن المتوسط في غانا؛ أدى إلى الحد من المحاصيل. ولكن العلماء والاقتصاديين لم يتمكنوا بعد من تحديد مدى تأثير تغير المناخ في الإنتاج وأسعار المستهلك. وقالت دال أيضًا إنه من غير المعروف أي ظاهرة جوية كانت وراء التأثير الأكبر في الإنتاج، كما أنه ليس من الواضح ما هو تأثير ظاهرة النينيو في محاصيل العام الماضي.
الجفاف وخسارة نباتات الكاكاو
وصف أحد مزارعي الكاكاو في غانا، وهو إيمانويل إيساه مينساه، تغير المناخ بأحد أخطر المشكلات التي تؤثر في الإنتاج في جميع أنحاء غرب أفريقيا. وقال لصحيفة غريست: “الجفاف يعني أننا نخسر 60% من نباتات الكاكاو. لقد شهدت انخفاضًا حادًا في الدخل، كما حدث مع جميع المزارعين في تعاونيتي الزراعية”.
وأسهمت موجات الجفاف والفيضانات وأمراض النباتات التي ضربت المنطقة العام الماضي في ارتفاع أسعار الكاكاو إلى مستويات قياسية، ما تسبب بدوره في ارتفاع تكلفة منتجات الشوكولاتة، وفقًا لتقرير صادر عن منظمة “كريستيان إيد” غير الربحية، والتي تعمل من أجل التنمية المستدامة والعدالة الاقتصادية.
وهبط إنتاج الكاكاو العالمي بنحو 14% في موسم 2023-2024، وقبل عيد الحب العام الماضي، ارتفع سعر الكاكاو في سوق العقود الآجلة إلى أعلى مستوى في 47 عامًا.
وقالت الباحثة المشاركة في التقرير ومستشارة سياسة المناخ للمنظمة غير الربحية، كات كرامر، إن النتائج تكشف عن ضعف الصناعة في مواجهة تغير المناخ. وأضافت: “يحتاج عشاق منتجات الشوكولاتة إلى دفع الشركات وحكوماتها إلى خفض انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري العالمي، وإلا فإن إمدادات الشوكولاتة ستتعرض بشكل مأساوي لخطر مناخي متزايد”.
ويستخدم الكاكاو أيضًا في سلع أخرى مثل مستحضرات التجميل والأدوية، والتي تمثل جزءًا كبيرًا من السوق العالمية. ومع ذلك، تظل منتجات الشوكولاتة هي الأساس. وعلى سبيل المثال، تستورد أميركا بنحو 2.8 مليار دولار منها كل عام – أكثر من 10% من إمدادات العالم.
وتشير بيانات بنك الاحتياطي الفيدرالي إلى أن أسعار الكاكاو العالمية ارتفعت بنسبة 144% في ديسمبر/كانون الأول، أي أكثر من ضعف العام السابق، كما قالت الخبيرة الاقتصادية في كلية سانت ماري في ماريلاند، آلا سيمينوفا.
ومع ذلك، حتى مع ارتفاع الأسعار، لا يرى مزارعو الكاكاو دائمًا أيًا من هذه الأرباح. وقالت جوزفين جورج فرانسيس، التي تنتج المحصول إلى جانب البن في مزرعتها في ليبيريا، إن المزارعين في جميع أنحاء غرب إفريقيا يحققون خسائر بسبب ارتفاع تكلفة زراعة المحاصيل في عالم دافئ.
وأضافت: “نحن بحاجة إلى نهج مختلف يضع الاستدامة والمزارعين في قلبه.. نحن لا نستفيد من ارتفاع الأسعار في الأسواق العالمية”.

ولم يكن الكاكاو المكون الوحيد في الحلويات المهددة بالاحتباس الحراري. في أوائل العام الماضي، بيع السكر، وهو مكون أساسي آخر، ببعض أعلى الأسعار منذ أكثر من عقد من الزمان؛ بعد أن أدى الطقس القاسي إلى تقييد إنتاج قصب السكر العالمي.
وقالت سيمينوفا: “ليس فقط كمية إنتاج الكاكاو هي التي تتأثر بتسارع تغير المناخ.. سيتغير نوع وجودة المكونات التي تدخل في منتجات الشوكولاتة”.
ودفعت هذه الأسباب بعض الشركات، مثل مارس وهيرشي، إلى تقليص كمية الكاكاو في صمت أو حتى طرح حلويات جديدة تستبعد الكاكاو تمامًا، وفقاً لمجلة “وايرد“.