غذاء ومناخ
ارتفعت أسعار السلع الغذائية في الهند بصورة حادة، خلال العامين الأخيرين، بقيادة البصل والطماطم والخضروات عامة، بسبب الظروف الجوية المتطرفة الناجمة عن تغير المناخ، بما في ذلك موجات الحر المستمرة وأنماط هطول الأمطار غير المتوقعة، التي أثرت بشكل كبير في الإنتاج الزراعي، وفق أحدث مسح اقتصادي 2024-25.
وظل معدل التضخم الغذائي في الهند ثابتًا عند 8.8%، ما يشير إلى انحراف صارخ عن الاتجاهات العالمية للاستقرار أو الانحدار، وفقًا لتقرير اطلعت عليه منصة “غذاء ومناخ“.
وتراجع مؤشر أسعار السلع الغذائية الذي تصدره منظمة الأمم المتحدة للزراعة والغذاء (الفاو)، خلال العامين الماضيين، ولم يعكس اتجاهه إلا في الربع الأخير من 2024.
ويسلط المسح الاقتصادي، الذي قدمته وزيرة المالية الاتحادية، نيرمالا سيتارامان، يوم الجمعة 31 يناير/كانون الثاني 2025، الضوء على كيف أثقلت الظروف الجوية المتطرفة أسعار المواد الغذائية بشكل غير متناسب في الهند خلال العامين الماضيين.
وتشكل المواد الغذائية نحو خمسي مؤشر أسعار المستهلكين في الهند، ويظهر مؤشر أسعار المواد الغذائية الاستهلاكية كمحدد محوري للتضخم الإجمالي للبيع بالتجزئة.
أسعار المواد الغذائية في الهند ترتفع بقيادة الخضروات
أدت الأحداث المرتبطة بالمناخ مثل موجات الحر المطولة وهطول الأمطار غير المنتظمة إلى دمار كبير في الإنتاج الزراعي، ما دفع إلى ارتفاعات كبيرة في أسعار الخضروات الرئيسة.
على سبيل المثال، صُنف كل من الطماطم والبصل كمساهمين رئيسين في زيادة الضغوط التضخمية. وشعر المستهلكون بارتفاع أسعار الطماطم والبصل بشكل خاص في جميع الولايات المنتجة الرئيسة مثل ماهاراشترا وكارناتاكا وأندرا براديش.
وأظهرت البيانات الأخيرة ارتفاع أسعار الطماطم بالتجزئة بشكل كبير مع اقتراب منتصف عام 2024، ما يدل على تقلبات كبيرة مدفوعة بالاضطرابات المناخية.
ويشير تقرير المسح إلى أن “التعايش بين المناطق المزروعة الجيدة إلى جانب تقلبات الأسعار الكبيرة يشير إلى أن الأحداث الجوية المتطرفة تؤثر بشكل كبير على الإنتاج وسلاسل التوريد. ويلخص هذا الاقتباس التحديات التي يواجهها المزارعون الذين يحاولون الحفاظ على أسعار مستقرة وسط تقلبات مناخية شديدة”.
ولا يشكل تغير المناخ العنصر الوحيد الذي يؤثر في أسعار السلع الغذائية في الهند؛ إذ تؤدي الخسائر بعد الحصاد أيضًا دورًا مهمًا. وعلى الرغم من زيادة الإنتاج، تعاني العديد من المحاصيل البستانية من خسائر بسبب البنية التحتية غير الكافية للتخزين، وهو ما يضر بشكل خاص بالسلع التي تتسم بالقابلية للتلف السريع مثل الخضروات.
وقال تقرير المسح الاقتصادي: “يجب استخدام هذه البيانات لتحديد مجالات التحسين واتخاذ قرارات سياسية مستنيرة، ما يؤكد على أهمية تعزيز التدخلات السوقية والممارسات الزراعية”.
اضطرابات سلسلة التوريد
كشف تحليل مؤشر أسعار السلع الغذائية في الهند، عن إحصائيات مثيرة للقلق. فقد أسهمت الخضروات والبقوليات، التي تبلغ حصتها 8.42% في سلة مؤشر أسعار المستهلك، بنسبة 32.3% من التضخم الإجمالي اعتبارًا من السنة المالية 2025.
وعند استبعاد المواد الغذائية الأساسية مثل الطماطم والبصل والبطاطس من المعادلة، أظهر متوسط التضخم الغذائي تراجعًا كبيرًا، حيث بلغ 4.3% فقط – أقل بنسبة 4.1% من المعدلات المسجلة. ويؤكد هذا التركيز على الخضروات على تأثيرها الهائل على نفقات الأسرة والاستقرار الاقتصادي.
وكانت اضطرابات سلسلة التوريد، المنسوبة إلى حد كبير إلى الظروف المناخية، في طليعة العوامل الدافعة لتقلب الأسعار. ويسلط المسح الاقتصادي الضوء على التحدي المتمثل في الحفاظ على استقرار الأسعار بسبب أحداث الطقس غير المنتظمة التي تؤدي إلى نقص مفاجئ في الإمدادات.
وتتفاقم هذه العوامل بسبب عدم كفاية مرافق التخزين للسلع القابلة للتلف واختناقات النقل الناجمة عن الطقس القاسي، ما يخلق عقبات كبيرة أمام المنتجين والتجار على حد سواء.
وشهدت السنوات الأخيرة تقلبات في إنتاج البازلاء، حيث انخفض بنسبة 13.6% خلال المدة 2022-23، وبنسبة 10.8% خلال المدة 2023-24، مقارنة بالمتوسطات السابقة.
وإضافة إلى النجاحات المتقطعة التي تحققت في مختلف محاصيل الخضروات، فإن هذه المعاناة الهائلة في الإنتاجية تقوض قدرة الهند على إدارة التضخم الغذائي بشكل فعال.
ولمكافحة التضخم المتزايد، يدعو المسح الاقتصادي إلى مبادرات بحثية وتطويرية مركزة تهدف إلى توليد أصناف محاصيل مقاومة للمناخ.
وقد دعا أصحاب المصلحة إلى تعزيز إمكانات الغلة والحد من حالات تلف المحاصيل، وضمان قدر أعظم من الأمن الغذائي في ظل الظروف البيئية المضطربة.
ويمكن أن تشمل المبادرات الحكومية تنفيذ أنظمة جمع البيانات لمراقبة الإنتاجية الزراعية وحركات الأسعار الموسمية، وتشكيل الأساس لتوصيات سياسية مستنيرة.
وفي حين تشير التوقعات إلى انخفاض محتمل في أسعار السلع الأساسية على مدى العامين المقبلين، بشرط استقرار ظروف الرياح الموسمية وتحسين التدخلات الحكومية، فإن الحقائق المباشرة تظهر غير ذلك.
ومع انتشار التحديات الزراعية المرتبطة بالمناخ بشكل متزايد والتي تتطلب اهتماما فوريًا، يصبح من الضروري لأصحاب المصلحة – الحكومة والمزارعين وكيانات سلسلة التوريد – التعاون على إيجاد حلول مرنة.
ويظل ضمان الأمن الغذائي في طليعة الأولويات الوطنية مع استمرار تغير المناخ في التأثير على المشهد المالي.
ومن خلال معالجة هذه الاستراتيجيات الزراعية والسياسات الاقتصادية المترابطة، يمكن للهند أن تعمل على استقرار أسعار المواد الغذائية لمواطنيها، وحماية الرفاهة الاقتصادية للأسر المتضررة من الاتجاهات التضخمية. ولا يمكن للهند أن تهدف إلى تحقيق المرونة والاستقرار المستدامين في قطاعاتها الزراعية، مما يضمن توافر كميات كبيرة من الغذاء بأسعار معقولة لسكانها المتزايدين إلا من خلال التعامل مع هذه التحديات المتزايدة، وفق المسح المنشور في “إيفري ماغاسي“.
