
غذاء ومناخ
قدرت دراسة حديثة أن فرض ضريبة الكربون على انبعاثات الزراعة في ألمانيا، قد ينجح في خفض غازات الاحتباس الحراري بنسبة 22.5%، أو أكثر من 15 مليون طن سنويًا؛ وأن لحوم البقر ستحظى بالنصيب الأكبر من هذه الضريبة والتي قد يبلغ حدها الأقصى 4.36 يورو (4.5 دولار) للكيلوغرام (كجم).
وبصورة عامة، سيكون نصيب اللحوم ومنتجات الألبان الأكبر من ضريبة الكربون، نظرًا لانبعاثاتها الكثيفة، وفقًا لدراسة معهد بوتسدام لأبحاث تأثير المناخ.
وترى الدراسة، التي اطلعت عليها منصة “غذاء ومناخ“، أن عكس التأثير البيئي للزراعة في أسعار المواد الغذائية من شأنه أن يشجع المستهلكين على التحول إلى أنظمة غذائية أكثر استدامة والحد من الانبعاثات.
وتمثل انبعاثات الزراعة في ألمانيا 8% من إجمالي انبعاثات البلاد، وذلك مع اسبعاد الانبعاثات من تغييرات استخدام الأراضي.
ويُلزم قانون تغير المناخ الفيدرالي لعام 2019 الحكومة بخفض انبعاثات الزراعة في ألمانيا سنويًا؛ من 62 مليون طن إلى 56 مليون طن بحلول عام 2030.
وأشارت الدراسة إلى أنه إذا طبقت ألمانيا ضريبة كربون تبلغ 200 يورو للطن من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري على المواد الغذائية الشائعة، فإن لحوم البقر ستحظى بأعلى الضرائب بحد أقصى 4.36 يورو للكيلوغرام، تليها لحوم الضأن والماعز بحد أقصى 4.02 يورو للكيلوغرام.
وفي الاتحاد الأوروبي، تأتي 80% من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري من القطاع الزراعي من اللحوم ومنتجات الألبان، كما تقول الورقة البحثية.
وتشمل تلك الغازات: غاز الميثان من الماشية؛ الناتج عن الهضم في الأغنام والأبقار، وأكسيد النيتروز من الأسمدة؛ وثاني أكسيد الكربون الناتج عن تغييرات استخدام الأراضي، مثل إزالة الغابات وتجفيف الأراضي الخصبة.
وفي الوقت نفسه، ستخضع الزبدة والجبن لضرائب كربون تصل إلى 2.45 يورو للكيلوغرام، و2.44 يورو للكيلوغرام على التوالي. وسيزيد سعر الزبادي والحليب بنحو 25 سنتًا للكيلوغرام.
خفض انبعاثات الزراعة في ألمانيا بعدالة
يمكن الحد من انبعاثات الزراعة في ألمانيا بطريقة عادلة اجتماعيًا من خلال فرض رسوم مناخية على الغذاء، مع توزيعها كأرباح مناخ، وفق دراسة معهد بوتسدام.
وأشارت الدراسة إلى أن تسعير الأطعمة كثيفة غازات الاحتباس الحراري يمكن أن يساعد في تلبية أهداف المناخ للزراعة مع توليد أكثر من 8.2 مليار يورو سنويًا.
وأوضحت أن إعادة توزيع هذه الأموال على الأسر من خلال نظام تعويض مقطوع، يؤدي إلى تخفيف العبء المالي على الأسر، خاصة تلك ذات الدخل المنخفض، وفي الوقت نفسه تشجيع الاستهلاك المستدام.
وقال العالم وباحث الدراسة، ماكس فرانكس: “تميل الأسر إلى شراء المزيد من الأطعمة الأقل كثافة في الكربون في المتوسط، مثل الخضروات. ولن تفيد رسوم المناخ حماية المناخ بشكل مباشر فحسب، بل قد تشجع أيضًا الاستهلاك المستدام”.

وترى دراسة معهد بوتسدام عن فوائد فرض ضريبة الكربون لخفض انبعاثات الزراعة في ألمانيا، أن عوائد الضريبة المتوقعة البالغة 8.2 مليار يورو، يمكن توزيعها على المستهلكين كعائد مناخي، ما يوفر راحة كبيرة للأسر ذات الدخل المنخفض، بينما تتحمل الأسر الأكثر ثراءً تكاليف أعلى قليلاً.
وتابع فرانكس: “يساعد هذا الشكل من إعادة التوزيع في خلق توازن اجتماعي يمكن أن يعزز قبول مثل هذه التدابير”.
وقال فرانكس لموقع “ساستاينابل فيوز”، إن إعادة التوزيع تشكل أهمية مركزية لضمان القبول العام للسياسة، وإن الأسر الأكثر فقرا، من دون نظام سداد، ستتحمل عبء ضريبة الكربون لأنها تنفق نسبة أعلى من دخلها على الغذاء.
وأضاف فرانكس أن سياسات المناخ “المتوازنة اجتماعيا” تتمتع عموما بقبول اجتماعي أعلى.
وفي هذا الصدد قارن الباحث بين ضريبة الكربون التي تفرضها سويسرا على المباني والصناعة على أساس نهج يُعاد فيه توزيع عائدات الضرائب على الجمهور، في حين أدت الزيادة المخطط لها في فرنسا على الديزل والبنزين إلى احتجاجات السترات الصفراء في عام 2018.
تجربة الأسعار بعد ضريبة الكربون
في أغسطس/آب 2023، في تجربة استمرت أسبوعًا، رفعت شركة البيع بالتجزئة الألمانية “بيني” أسعار 9 منتجات – معظمها من الألبان واللحوم – لتعكس تكلفتها الحقيقية على المناخ (بما في ذلك استخدام التربة والمياه) والصحة البشرية.
ونفذت التجربة في جميع فروعها البالغ عددها 2150 فرعًا، وتسلط الضوء على وضع العلامات الكربونية بطريقة جديدة، وتتبع دراسة أجرتها الشركة عام 2020، والتي أظهرت أن سعر اللحوم ومنتجات الألبان سيكون أعلى بكثير عند احتساب التكلفة البيئية الحقيقية لسلسلة توريد الأغذية.
وهذا يعني أن الجبن أصبح أغلى بنحو 94%، في حين ارتفعت أسعار النقانق بنسبة 88%. وعلى النقيض من ذلك، كانت شرائح اللحم النباتية ــ التي لها تأثير بيئي أخف كثيرا ــ أغلى بنحو 5% فقط.
وجاءت التجربة بعد 4 سنوات من اقتراح الساسة الألمان رفع ضريبة القيمة المضافة على اللحوم إلى 19%، وهو التغيير الذي أظهرت الأبحاث أنه سيحظى بدعم 70% من المواطنين.
والحجة هنا هي أن البروتينات الحيوانية تستهلك قدرا كبيرا من الأراضي والمياه في حين تنبعث منها كميات هائلة من الغازات المسببة للاحتباس الحراري العالمي، الأمر الذي يؤدي إلى تفاقم تغير المناخ يوما بعد يوم ــ لذا فإن أسعار هذه المنتجات لابد أن تعكس ذلك.

وأعطت دراسة المعهد الألماني وزنًا لهذا المنطق. ويقترح الباحثون أن فرض ضريبة مناخية على المنتجات الحيوانية قد يؤدي إلى نزول إجمالي الانبعاثات في ألمانيا بنسبة 2%، وهو انخفاض أكبر بستة أضعاف من إجمالي انبعاثات قطاع الطيران المحلي.