
غذاء ومناخ
يؤدي تغير المناخ إلى تفاقم أزمة الغذاء، وهو محرك للجوع العالمي. وقد يهدد بتكرار سيناريو مجاعة البطاطس؛ فكيف يمكننا تجنب ذلك؟
يرى البعض أن الهندسة الحيوية يمكن أن تساعد في حماية المحاصيل من الطقس المتطرف والآفات. وتغير المناخ يجعل هذا الأمر أكثر أهمية من أي وقت مضى، ولكن الجدل ونقص التمويل يجعل تربية المحاصيل تحديًا، وفقًا لتقرير اطلعت عليه منصة “غذاء ومناخ“.
ومجاعة البطاطس الأيرلندية، المعروفة -أيضًا- باسم المجاعة الكبرى، بدأت عام 1845، عندما تسبب العفن المعروف باسم Phytophthora infestans، في مرض نباتي مدمر انتشر بسرعة في جميع أنحاء البلاد، ما أدى إلى تدمير نصف محصول البطاطس تقريبًا في هذا العام.
وواصل هذا الدمار خطواته، ما دفع إلى خسارة ثلاثة أرباع المحصول على مدى السنوات السبع التالية. ولأن المزارعين المستأجرين في أيرلندا – التي كانت تُحكم آنذاك كمستعمرة لبريطانيا العظمى – اعتمدوا على البطاطس أساسًا كمصدر للغذاء، فقد كان للإصابة تأثير كارثي.
وقبل أن تنتهي مجاعة البطاطس، التي امتدت إلى أوروبا، في عام 1852، كانت قد قتلت ما يقارب من مليون أيرلندي بسبب الجوع، إضافة إلى دفع مليون شخص آخر على الأقل إلى النزوح، وفق موقع “ذا هيستوري“.
نتائج مشابهة
قد يؤدي تغير المناخ وتفاقم آثاره في السنوات الأخيرة إلى نتائج مشابهة لما حدث في مجاعة البطاطس في بعض المناطق. فمع ارتفاع درجات الحرارة العالمية ومستويات سطح البحر، تكون النتيجة المزيد من موجات الحر والجفاف والفيضانات والأعاصير وحرائق الغابات. وتجعل هذه الظروف من الصعب على المزارعين زراعة الغذاء وعلى الجياع الحصول عليه، وفقًا لموقع “السفارة والقنصليات الأميركية في إيطاليا“.
ودرس باحثون من جامعة ولاية كارولينا الشمالية المادة الوراثية الموجودة في أوراق البطاطس التاريخية، في محاولة لفهم التغيرات التطورية التي حدثت في كل من نباتات البطاطس ومسببات مرض اللفحة المتأخرة منذ مجاعة البطاطس الأيرلندية، وفقًا لـ “هورت نيوز“.
وفحصت الدراسة كل من جينات مقاومة النبات وجينات مسببات المرض (التي تساعده على إصابة العوائل).
وقال الباحث السابق في جامعة ولاية كارولينا الشمالية، والمشارك الرئيس للورقة البحثية، أليسون كومبر: “نستعمل قطعًا صغيرة من الأوراق التاريخية، عليها مسببات الأمراض والبكتيريا الأخرى.. نستعمل قطعًا صغيرة من 80 زوجًا من القواعد مثل المغناطيس لصيد قطع مماثلة في هذا السائل من الحمض النووي، للعثور على جينات المقاومة من العائل والجينات المؤثرة من مسببات المرض”.
وأكدت نتائج الدراسة أن مسببات المرض، Phytophthora infestans، ماهرة جدًا في مكافحة مقاومة مرض اللفحة المتأخرة للبطاطس.
وتُظهِر الدراسة -أيضًا- أن العديد من جينات مسببات المرض المؤثرة ظلت مستقرة، على الرغم من حدوث طفرات مختلفة لزيادة قدرتها على العدوى؛ مع محاولة مسؤولي النباتات تربية المقاومة – وتحديدًا بعد عام 1937، عندما بدأت برامج زراعة البطاطس الأكثر تنظيماً في الولايات المتحدة وأجزاء أخرى من العالم. كما تكشف الدراسة أن مسببات المرض أضافت مجموعة من الكروموسومات بين عامي 1845 و1954، وهي المدة الزمنية التي جُمعت عينات النباتات للدراسة.
وقال كومبر: “نُظهِر في هذا العمل أنه بعد 100 عام من التدخل البشري، هناك بعض الجينات التي لم تتغير كثيرًا في مسببات المرض”.

دور التكنولوجيا الحيوية
المزارع والصحفي المستقل المقيم في جنوب غرب أونتاريو الكندية، مات ماكنتوش، قال في مقال منشور على موقع “ذا ناروال“: “أعتقد أن التكنولوجيا الحيوية يمكن أن تساعدنا على تجاوز هذا المستقبل غير المؤكد بشكل أفضل، ولكن هذا سيتطلب الوقت والمال والاهتمام من جانب الحكومات والشركات”.
وأضاف أنه لا تزال الفطريات المسببة لمرض اللفحة المتأخرة، تشكل مشكلة بالنسبة لمزارعي البطاطس. ولكن حاليًا نمتلك الأدوات اللازمة لحماية محاصيلنا، بما في ذلك مبيدات الفطريات وأصناف المحاصيل الأفضل.
وفي عام 1998، على سبيل المثال، طور باحثون من وزارة الزراعة في الولايات المتحدة صنفاً شديد المقاومة لللفحة المتأخرة، لاستعماله من قِبَل مربي النباتات في القطاعين العام والخاص.
ومؤخراً، استعملت شركة سيمبلوت الأميركية التكنولوجيا الحيوية (بدلاً من تربية النباتات التقليدية) لإنتاج 3 أصناف ذات مقاومة عالية لأمراض البطاطس المتعددة.
وتابع قائلًا: “منحنا القرن الماضي طرقاً أسرع وأكثر دقة للتلاعب. فقد استُعملت عملية الطفرات الجينية ــ باستعمال الإشعاع لمحاكاة الطفرات العفوية في العالم الطبيعي ــ على نطاق واسع. ويمكن لتكنولوجيا التحوير الوراثي (التي تستخدم لتطوير ما يسمى عادة بالكائنات المعدلة وراثياً) أن تضع الجينات المفيدة من كائن حي مباشرة في جينوم كائن حي آخر”.
وأضاف: “تسمح عملية تحرير الجينات، وهي أحدث التطورات العلمية، بإجراء تغييرات دقيقة للغاية داخل الشفرة الجينية الموجودة لدى الكائن الحي. والإنجاز التكنولوجي الذي يدعم كل هذا هو قدرتنا على رسم خريطة الشفرة الجينية للكائن الحي ــ لتحديد الجينات المسؤولة عن أي سمة. ومعرفة الجين المسؤول عن مناعة الطماطم ضد آفة حشرية معينة، وتربيتها، من شأنه أن يقلل من استخدام المبيدات الحشرية. ومن الممكن أن يساعد تحسين صحة الأمعاء وراثياً في الأبقار والأغنام والماعز في الحد من انبعاثات غاز الميثان”.